فالمقسم في الحقيقة هو النسبة الحاصلة فيما بين اللفظ والمعنى ، واتّحاد اللفظ أو المعنى ، أو كليهما أو تعدّدهما وجوه وحيثيّات لها ، واختلاف الأنواع إنّما يحصل باختلاف الوجوه والحيثيّات ، فالعبرة في الاتّحاد والتكثّر - عند التحقيق - باتّحاد النسبة وتكثّرها ، وظاهر أنّ حصولها فيما بين الألفاظ والمعاني ليس لذواتها ، لعدم كون دلالات الألفاظ للمناسبات الذاتيّة بل إنّما هو باعتبار منشأ لغوي راجع إلى الواضع ، وليس إلاّ الوضع وهو إمّا شخصي أو نوعي في الحقائق أو نوعي في المجازات ، وهو فيما بين اللفظ والمعنى إمّا متكثّر بتكثّر اللفظ أو المعنى أو هما معاً أو متّحد وإن كان في أحدهما أو كليهما نحو تكثّر . ولا ريب أنّ تكثّر المنشأ واتّحاده بأحد الوجوه يوجب تكثّر النسبة الحاصلة بين اللفظ والمعنى واتّحادها ، وهما يوجبان وصف اللفظ أو المعنى أو هما معاً بالتكثّر والاتّحاد بهذا الاعتبار من غير نظر إلى ما فيهما لذاتهما من التكثّر ، فالعبرة في تكثّر اللفظ والمعنى واتّحادهما بتكثّر النسبة واتّحادها الناشئين عن تكثّر المنشأ واتّحاده . وبالجملة : فكما أنّ النسبة يتبع الوضع في ذاتها فكذلك يتبعه في وصفي التكثّر والاتّحاد ، وقضيّة ذلك كون العبرة في اتّحاد اللفظ والمعنى بما يلحقهما بهذا الاعتبار ، وإن كانا متكثّرين لا بهذا الاعتبار . وإن شئت قلت : إنّ اتّحاد اللفظ والمعنى على قسمين حقيقي وحكمي ، والمراد بالثاني ما لحقهما باعتبار اتّحاد النسبة المتولّد عن اتّحاد المنشأ ، وهو الوضع بأحد الوجوه الثلاث ، وهذا هو الوجه في عدم أخذهم الألفاظ المبحوث عنها في أقسام متكثّر المعنى ، ولازمه اندراجها في متّحد المعنى ، كما أدرجها فيه العلاّمة على ما عرفت . وممّا يفصح عن ذلك أيضاً عدم التفاتهم في أقسام متكثّر المعنى إلى اللفظ المتّحد إذا تكثّر معانيه المجازيّة ، وأخذ من حيث إضافته إليها من دون انضمام معناه الحقيقي إليها .