مع أنّ لك أن تمنع كونها من باب المقتضي بالمعنى المرادف للسبب الأُصولي ، بل الّذي يساعد عليه النظر كما سنشير إليه أيضاً كونها بالقياس إلى الإدراك الفعلي من باب الشروط . هذا ، مع أنّه إنّما يتّجه الاعتراض لو أُريد من " الأحكام " خصوص الأحكام الواقعيّة ، وقد عرفت مراراً منعه ، بل المراد منها إمّا الأحكام الفعليّة أو الأحكام الظاهريّة ، المرادفة بأحد الوجوه الآتية في دفع الإشكال الثاني للأحكام الفعليّة . ومن البيّن أنّ الفقيه له ملكة العلم بجميع الأحكام الفعليّة أو الظاهريّة حتّى بالقياس إلى موارد التوقّف ، من حيث إنّ التوقّف إنّما يحصل بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، ومن المقرّر أنّ المرجع حينئذ هو الأُصول العمليّة . وقد عرفت - كما تعرف أيضاً - أنّ مؤدّيات الأُصول بعد اليأس عن الدليل أيضاً أحكام فعليّة أو ظاهريّة ، فهو بالقياس إلى تلك الموارد متهيئّا لمراجعة الأُصول واستعلام الأحكام الفعليّة المستندة إليها . وقد يستشكل في المقام أيضاً ، بناءً على أنّ المراد بالملكة المرادة من العلم هي القوّة الّتي يقتدر بها على استنباط جميع الأحكام الشرعيّة عن الأدلّة التفصيليّة ، بما يرجع محصّله إلى أنّ الملكة بهذا المعنى محتملة لوجوه ثلاث : أحدها : القوّة الّتي يمكن أن يستنبط بها جميع الأحكام من الأدلّة الموجودة المتداولة . وثانيها : القوّة الّتي يمكن أن يستفاد بها جميع الأحكام عن الأدلّة على فرض وجودها وورودها في الشريعة على قدر الكفاية . وثالثها : القوّة الّتي يقتدر معها على استنباط ما يمكن استنباطه من الأحكام عن الأدلّة الموجودة ، واستنباط ما لم ينهض به تلك الأدلّة ممّا يضاهي تلك في وجوه الإشكال وصعوبة الاستدلال ، ولا سبيل إلى شئ من تلك الوجوه . أمّا الأوّل : فلقضاء العادة بامتناع حصول قوّة يستنبط معها جميع الأحكام عن الأدلّة الموجودة ، ضرورة عدم وفاء تلك الأدلّة بجميع الأحكام ، مع أنّ كثيراً منها لم يرد بيانها في الأخبار المأثورة ، ولم يقم عليه شئ من سائر الأدلّة .