تحقيقه : إنّ الضرورة إن أُعتبرت ذاتيّة لا يخرج القسمان الأخيران ، بل لا يخرج القسم الأوّل ، إذ ما من ضروري الدين إلاّ وهو مسبوق بالنظر كما يظهر بالتأمّل . فهذا ليس بمراد من الضروريّات هنا ، وإن اعتبرت عرضيّة كما في الجميع ، سواء كان عروض الضروريّة قبل تدوين العلم أو بعده فيلزم خروج الجميع . وإن اعتبرت عرضيّة مع عروض الضرورة بعد التدوين ، كان الخارج ضروريّات الدين فقط ، لكون كلّ من الباقيتين مسبوقاً بالنظر ، وإنّما طرءت الضرورة بسبب كثرة التسامع وغلبة التظافر وعموم البلوى ودوام الحاجة والابتلاء ، فالمسألة في كلّ واحد منها دوّنت وهي نظريّة ، لحصول تدوين الفنّ في زمان كانت آثار مذهب الشيعة مستورة وخصائصهم مهجورة ، وهذا النحو من النظريّة كاف في عدّها من المسائل الفقهيّة . ولا يقدح فيه طروّ الضرورة في الأزمنة المتأخّرة عن التدوين ، وبذلك يندفع ما تقدّم [1] من نقض الأخباريّين ، لوضوح منع الملازمة بما قرّرناه من الفرق ، فإنّ ضروريّات الدين قد وصلت حدّ الضرورة قبل تدوين العلم بكثير - بل قبل انقطاع الوحي - بخلاف ضروريّات المذهب ، فقد دوّن العلم وضروريّات الدين غير صالحة لأن تكون من مسائله ، وضروريّات المذهب صالحة له ، وبملاحظة جميع ما ذكر تبيّن الكلام في المقام الثاني أيضاً . فإنّ الضروريّات حيثما وجب إخراجها عن الحدّ ، كان خروجها مستنداً إلى القيد المذكور بالتقريب المتقدّم عن بعض الأعاظم [2] لا بالتقريب المتقدّم عن بعض الأفاضل [3] لكن يشكل الحال في طرد الحدّ وعكسه بالقياس إلى الأقسام الثلاث لو بنى على التفصيل المذكور ، من خروج ضروريّات الدين عن المسائل الفقهيّة دون ضروريّات المذهب والعلماء .