فإن أُريد بالحكم المأخوذ في هذا الأصل المدّعى تعلّقه بالعمل بواسطة ، الحكم المأخوذ في كبرى القياس الأوّل فهو ليس حكماً شرعيّاً ، بل هو حكم عقليّ صرف ، حيث إن المستفاد من الخطاب بالصلاة إنّما هو وجوب البراءة الواقعيّة ، ولمّا كان الواقع لا طريق إليه إلاّ العلم ، فالعقل يلزم المكلّف على تحصيل العلم بالبراءة الواقعيّة ، تحذيراً له عن الوقوع في مخالفة الواقع الموجبة لاستحقاق العقوبة ، فوجوبه ليس مستفاداً من الشرع ولا أنّ بيانه من شأن الشارع ، حتّى أنّه لو فرض صدور خطاب أصلي به كان مؤكّداً لحكم العقل . ولو سلّم أنّه مأخوذ به بلسان العقل فيكون حكماً شرعيّاً بأحد المعان الثلاث المتقدّمة [1] لا نسلّم استناد خروجه إلى اعتبار انتفاء الواسطة ، بل هو مستند إلى اعتبار التعلّق بالعمل كسائر الأُصول الاعتقاديّة ، لكونه متعلّقاً باعتقاد المكلّف . وإن أُريد به ما هو مأخوذ في كبرى القياس الثاني ، فالكلام فيه يتّضح عند دفع الشبهة في الحكم الأُصولي المأخوذ في مسألة قولنا : مقدّمة الواجب واجبة ، الداخلة في عنوان المعنى الثاني حسبما بيّناه [2] لأنّ قولنا : " ما يتوقّف عليه اليقين بالبراءة واجب " من جزئيّات تلك المسألة كما لا يخفى . ومعنى حجّية الاستصحاب الّذي حقيقة معناه إبقاء ما كان ، وجوب إبقاء ما كان ، على معنى الحكم ببقائه ، والحكم عبارة هنا عن الإذعان ، وحيث إنّ الإذعان بالبقاء مع فرض الشكّ فيه ممّا لا يتعقّل ، فلا جرم يكون المراد منه الإذعان بأنّ ما كان هو الّذي يتديّن به في تلك الحال كما كان كذلك في الحال السابق ، فيترتّب عليه حينئذ جميع آثاره ولوازمه الشرعيّة ، فإن كان وجوباً أو حرمة فآثارهما ، وإن كان إباحة فآثارها ، وإن كان طهارةً أو نجاسة فآثارهما أيضاً ، فيرجع الوجوب المذكور إلى كونه متعلّقاً بما هو من مقولة الاعتقاد . وأصل البراءة وإن كان حكماً مستفاداً من الشرع متعلّقاً بالعمل مع الواسطة ،
[1] تقدّم في التعليقة الرقم 6 ، الصفحة : 49 . [2] تقدّم في نفس التعليقة ، الصفحة : 91 .