ومن الأعلام [1] من تعرّض لدفع الشبهة ، بجعل الأحكام عبارة عن الخطابات المعلومة بديهةً بالإجمال ، والأدلّة عبارة عن الخطابات المفصّلة ، فإنّا نعلم بديهةً أنّ لأكل الميتة وأكل الربا وغيرهما حكماً من الأحكام ، ولكن لا نعرفه بالتفصيل إلاّ من قوله تعالى : ( وحرّمت عليكم الميتة " [2] و ( حرّم الربا ) [3] وغير ذلك . وفهم جماعة من متأخّرينا عنه أنّ مقصوده ابداء الفرق بين المدلول ودليله بالإجمال والتفصيل ، فالدليل هو الخطابات المفصّلة والمدلول هو الخطابات المجملة ، فكونهما خطابين لا يستلزم اتّحادهما ، لكفاية ما بينهما من الإجمال والتفصيل في التغائر . فأوردوا عليه : بأنّ ذلك لا يلائم قيد " الأدلّة التفصيليّة " إذ مقتضى رجوعه إلى العلم كونه حاصلا من الأدلّة التفصيليّة . ولا ريب أنّ العلم المأخوذ في الخطابات المعلومة بالإجمال حاصل من الأدلّة الإجماليّة كالبداهة ونحوها ، لا من الأدلّة التفصيليّة ، والحاصل منها علم تفصيلي لا إجمالي . وأضاف إليه بعض الأفاضل [4] : إنّ العلم بالخطابات على سبيل الإجمال ليس من الفقه في شئ ، يعني أنّ المأخوذ في مسمّى " الفقه " هو العلم بالخطابات على سبيل التفصيل لا الإجمال ، فلا ينطبق الحدّ على المحدود . وأنت خبير بما في هذين الإيرادين ، من ابتنائهما على الاشتباه وعدم التعمّق في فهم مقصود العبارة المذكورة ، كيف وهما لا يتوجّهان إليه إلاّ إذا فرض حمله " العلم " المأخوذ في جنس الحدّ - بعد جعله " الأحكام " عبارة عن المعلومات بالإجمال - على العلم الإجمالي ، حتّى يكون " الفقه " عبارة عن العلم على سبيل الإجمال بالمعلومات إجمالا الحاصل من الأدلّة التفصيليّة ، فحينئذ يقال : عليه إنّ هذا العلم غير حاصل من الأدلّة التفصيليّة ، وإنّ " الفقه " هو العلم بالخطابات على