وقد ذكر لإثبات مدّعاه خمس مقدّمات ، وبناه على أربعة أركان : وملخّص كلامه هو : إن المعاني على قسمين ، منها : إخطاريّة ، ومنها : غير إخطاريّة ، فما يكون صالحاً لأنْ يخطر في الذهن بنفسه فهو معنًى اسمي ، وما لا يصلح لذلك بل لابدَّ من كونه ضمن كلام مرتّب بترتيب معيّن فهو معنى حرفي . والمعاني غير الإخطارية إيجاديّة ، غير أنّ هذه المعاني الإيجاديّة تنقسم إلى قسمين ، فمن الحروف ما يوجد مصداق لمعناه في الخارج ، كحروف النداء والتشبيه ونحوها ، فإنّه لمّا يستعمل حرف النداء ويقال : يا زيد ، يوجد مصداقٌ للنداء خارجاً ، وكذا في : زيد كالأسد ، ومن الحروف ما لا يوجد مصداق لمعناه في الخارج مثل « من » و « على » و « إلى » ، فهي حروف نسبيّة ، أي أن معناها ليس إلاّ إيجاد النسبة والربط بين المعاني المتباينة التي لا ربط بينها ، كما في : سرت من البصرة إلى الكوفة . فالحروف كلّها إيجاديّة ، غير أنْ بعضها لمعناه مصداق في الخارج وبعضها لا ، بل هي لإيجاد الربط والنسبة فقط ، فما في كلام صاحب ( الحاشية ) من تقسيم الحروف إلى إيجادية وغير إيجادية غير صحيح . وبالجملة ، فلا شيء من الحروف بإخطاري . ثم قال : إن النسبة بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي هي النسبة بين المفهوم والمصداق ، فالمعنى الاسمي له خاصيّة المفهوم ، والمعنى الحرفي له خاصيّة المصداق ، فالتفاوت بين « النداء » الذي هو معنى اسمي ، وبين « يا زيد » الذي هو معنى حرفي ، هو التفاوت بين « مفهوم الماء » و « مصداق الماء » ، مع الالتفات إلى أنا بواسطة الحرف نوجد المعنى ، ولا ظرف لمعناه إلاّ