وأيضاً : مما ذكره في كيفيّة تقسيم الوضع إلى التعييني والتعيّني يظهر أنّ كلّ من لم يكن تعهّده مسبوقاً بالغير فهو الواضع الأوّل للّفظ ، وهذا لا ينفي أن يكون المستعملون كلّهم واضعين كما ذكرنا من قبل . هذا هو المهمّ من الكلام في أدلّة هذا القول ومزاياه . ثم إنّه قد أورد على هذا المبنى بأن الالتزام باستعمال اللّفظ عند إرادة تفهيم المعنى فرعٌ للعلم بالوضع ، فلابدَّ أولا من العلم بالوضع ثم الالتزام بالإستعمال كذلك ، فإنْ كان الوضع هو الالتزام نفسه لزم الدور ، لأن الالتزام موقوف على العلم بالوضع ، وهو موقوف على الالتزام . وقد أوضح شيخنا دام ظلّه الجواب عن هذا الايراد بأنّ الالتزام تارةً كلّي وأخرى شخصي ، والوضع من قبيل الأول ، بمعنى أنّ الواضع يلتزم إلتزاماً كليّاً بأنّه متى أراد المعنى الكذائي استعمل اللّفظ الكذائي ، وللشخص في نفس الوقت التزام شخصي أيضاً ، لكونه أحد المستعملين ، والذي يتوقف على العلم بالوضع هو الالتزام الشخصي دون الكلّي . نقد نظرية التعهّد هذا ، وقد ردّ شيخنا الأستاذ في كلتا الدورتين ، وكذا سيّدنا الأستاذ في ( المنتقى ) - بعد أنْ كان يوافق عليه من قبل - على مبنى الالتزام والتعهّد ، وأبطلاه بالتفصيل . أمّا شيخنا فقد ناقش في الأدلّة واحداً واحداً : فأجاب عن الدليل الأول - وهو مساعدة الوجدان - بأنّ المستعمل للّفظ في معناه له علم بالوضع ، وله إرادة للمعنى ، وله قصد لتفهيم المخاطب بمراده ، فهذه الأمور موجودة عند كلّ مستعمل ، ومنها التزامه باستعمال اللّفظ