قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمره بأخذه والآخر ينهاه كيف يصنع قال يخيره حتى يلقى من يخبره وهو في سعة حتى تلقاه عن الكافي وفي رواية بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك لأنّها صريحة في التخيير مع التمكن من ملاقاة من يخبره فكيف يجامع حمل أخبار التوقف عليه وفيه أنّ غرض المشهور من الجمع المذكور وجوب العمل بأخبار التخيير في هذه الأزمنة وهي أزمنة الغيبة والانقطاع عن العلم وهي غير منافية لذلك بل مؤكدة له وإن كان مقتضاه بطلان حمل أخبار التوقف على صورة الانسداد ويعيّن حملها على محامل أخر كالتوقف في الفتوى أو الحكم الواقعي أو نحو ذلك والحاصل أن أخبار التوقف لا تصلح معارضا لأخبار التخيير مع انقطاع العلم وعدم التمكن من ملاقاة الإمام عليه السلام من وجهين أحدهما أنّ دلالتها عليه في هذه الصّورة ضعيفة في حال دلالة أخبار التخيير عليه فيجب الأخذ بهما عملا بأقوى الدّليلين وثانيهما أنّها معارضة بالموثقة والنّسبة بينهما هو العموم والخصوص المطلقين فيخصّص بها وإن أبيت عن هذا التخصيص لما فيه من إخراج الفرد القدر المتيقن وهو التوقف مع إمكان تحصيل العلم تعيّن تصرّف آخر بحملها على التوقف في الفتوى ونحوه وعلى التقديرين يتعين العمل بأخبار التخيير في زمن انسداد باب العلم فتلخص ممّا ذكرنا أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو التخيير عند الانسداد وأمّا الجمع الثاني فقيل إنه لا شاهد له وفيه أنّ شاهده المقبولة الواردة في الدين والميراث وأجاب عنه في القوانين بأن العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص المحلّ والظَّاهر أنّه أراد بالعموم ما في ذيلها من تعليل التوقف حتى تلقى الإمام عليه السلام بأن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في المهلكات ويدفعه أنّ هذا الدّليل من مطلقات أخبار التوقف الواردة في مطلق الشبهة سواء كانت من تعارض النصّين أو من غيره وهي مطروحة أو مؤولة بإجماع الأصوليّين القائلين بالبراءة في الشبهات البدوية فلا تصلح حجّة للقول بالتوقف في خصوص التعارض الَّذي هو محط الأنظار ومحلّ الأفكار وإن أراد بالعموم غيره كقوله عليه السلام انظروا إلى رجل منّا إلى آخره ففيه أنّ ظاهره الرّجوع إليه في المسألة المسئول عنها أعني الاختلاف في الدين أو الميراث ولو سلَّمنا عدم ظهور ذلك فلا أقلّ من عدم الظهور في العموم أيضا فأين العام الَّذي يؤخذ به ولا ينظر إلى خصوص المحلّ والإنصاف أن مقتضى القاعدة تخصيص أخبار التخيير بها ولا ينافيه الجمع المشهور بالمعنى الَّذي فسّرناه أعني البناء على التخيير في حال الانسداد مع قطع النّظر عن حال الانفتاح لعدم تعلَّق غرض الأصولي به بعد عدم كونه مقيّدا بعلم أو عمل فاللَّازم الأخذ بمقتضاها أيضا فيجمع بين الجمعين أعني الجمع الأوّل وهو حمل أخبار التخيير على زمان الانسداد والجمع الثاني أي اختصاصها بخصوص حقوق اللَّه سبحانه فالمحصّل هو التخيير حال الانسداد في خصوص حق اللَّه تعالى لا مطلقا ودعوى الإجماع المركب وعدم التفصيل بين حق اللَّه وحقّ الناس كما ترى نعم لا شبهة في عدم الفصل بين الدّين والميراث وبين غيرهما من حقوق النّاس فلا يرد على المقبولة أنّها غير عامة لمطلق الحقوق فافهم وأمّا الجمع الثالث فقيل أيضا إنّه لا شاهد له وليس كذلك لما روي من الإحتجاج عن سماعة بن مهران مهزيار عن الصّادق عليه السلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا والآخر ينهانا قال لا تعمل بواحد منهما حتى تأتي صاحبك فتسأل عنه قال قلت لا بدّ أن يعمل بأحدهما قال خذ بما خالف العامة وجه الشهادة أنّه عليه السلام حال عدم الضرورة أمر بالتوقف ولم يرخّص العمل بالترجيح فكيف عن التخيير الَّذي هو دون الترجيح ودعوى عدم الملازمة بينه وبين الترجيح واهية نعم لا ملازمة بين الرّخصة في الترجيح مع الاضطرار إلى العمل وبين التخيير إلَّا أنّه غير محتاج إليه إذ مع الاضطرار يحكم العقل بالتخيير وأمّا عدم الترجيح وعدم التخيير فلا شبهة في الملازمة بينهما إذ لا معنى للنّهي عن الترجيح وإيجاب التوقف والترخيص في التخيير كما لا يخفى فإذا ثبت عدم التخيير مع عدم الضرورة لزم تخصيص أخبار التخيير وقصرها على مورد الضّرورة وهذا الجمع أيضا لا ينافي محصّل الجمعين الأوّلين فيجمع بين الجموع الثلاثة فيخصّص أخبار التخيير بموارد الضّرورة في خصوص حق اللَّه حال الانسداد ولكن سند هذه الرّواية غير واضح ولا جابر لها ودلالتها أيضا غير نقية عن الإجمال لأنّ النّهي من العمل بأحدهما لا معنى له لدوران الأمر بين المحظورين وعدم العمل فيه غير معقول فلا بدّ من إرجاع النهي إلى أمر معقول كالفتوى والترجيح وإن كان مخالفا للظَّاهر فيكون أجنبيّا عمّا نحن فيه من التوقف في مقام العمل هذا مع أنّ اللَّازمة بين عدم الترجيح وعدم التخيير ليس بذلك الوضوح إذ لا مانع عقلا من أن يكون العمل بالترجيح مع عدم الضرورة ممنوعا والتخيير جائزا لأنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول وأمّا الجمع الرّابع الَّذي ذهب إليه صاحب الوسائل فاستند فيه إلى رواية العيون عن الرّضا عليه السلام أنّه قال في حديث طويل فما ورد عليكم من حديثين مختلفين فاعرضهما على كتاب اللَّه فما كان في كتاب اللَّه موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في كتاب اللَّه فاعرضوا على سنن رسول اللَّه فما كان في السّنة موجودا منهيّا عنه نهي حرام أو مأمور به عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي النبي صلى الله عليه وآله وأمره وما كان في السّنة نهي إعافة أو كراهة ثم