لا بدّ من تحقيقها وكشف القناع عن وجهها وهي على كلَّيتها غير محررة في كلماتهم نعم اختلفوا فيما لو اشتغل في أرض الغير بالصّلاة بإذن مالكها ثم أمر بالخروج فهل يجب عليه الخروج مطلقا مصلَّيا أو غير مصلّ في سعة الوقت أو في ضيقه أو لا يجب عليه لسقوط احترام المالك بعد التلبّس مطلقا أو مع ضيق الوقت وجوه وأقوال وهذه نظير ما نحن فيه ومنه يعرف حكمها لو لم يكن هنا دليل آخر فنقول يظهر من المحقق القمّي وغيره ممّن أجاب عن الدّليل المذكور أنّ الواجب بعد الدّخول في الصّلاة وقت الإزالة مثلا إتمامها وتأخير الإزالة حيث أجاب بعض بأنّ المسألة بعد الدّخول ترجع إلى باب تزاحم الواجبين الفوريين فإمّا أن نقول بأنّ الإتمام أهمّ كما يقتضيه ظاهر الأكثر في الصّلاة في ملك الغير بإذنه حيث قالوا هناك بوجوب الإتمام أو تلزم بتساوي الإزالة والإتمام فيثبت التخيير وحاصله الالتزام بخروج الواجب المضيق عن وجوبه وبعضهم أجاب بأن ما دلّ على وجوب الإزالة غير شامل لحال الاشتغال بالصّلاة ومرجعه أيضا إلى الالتزام بوجوب الإتمام لكن الأوّل مبني على عموم الدليل ورفع اليد عن الوجوب العيني الفوري بسبب المزاحمة والثاني منع لعموم دليل الإزالة رأسا فلم يخرج واجب مضيق عن كونه واجبا حتى يلزم المحذور المذكور وإن شئت قلت إن الأوّل تسليم للملازمة المقررة في الدّليل المذكور ومنع بطلان التالي والثاني بالعكس حيث يمنع وجوبها الشرعي في تلك الحالة فلا يلزم خروج الواجب المضيق عن الوجوب وأجاب عنه في القوانين باختيار الشق الأول أعني بقاء الأمر بالإزالة ومنع بطلان التالي وهو التكليف بما لا يطاق بأنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي ولم يظهر لنا معنى صحيحا لهذا الجواب لأنّه إن أراد أنّ الأمر بالإزالة باق خطابا وعقابا بمعنى مطلوبيتها أيضا في حال الاشتغال بالصّلاة فهذا ليس تكليفا بالممتنع لأنّ قضية مطلوبيتها عدم وجوب الإتمام بل وجوب الإبطال واختيار الإزالة فأين الممتنع بالاختيار وإن أراد بقاء الأمر بها عقابا بأن يكون الواجب بعد الاشتغال بالصّلاة هو الإتمام دون الإزالة وإن عوقب على تركها بسوء اختياره حيث اشتغل بما هو أهمّ منها وهو الإتمام فهذا ليس اختيار الشق الأول وهو بقاء الأمر بالإزالة لوضوح أن المراد بالبقاء المأخوذ في الاستدلال هو البقاء خطابا بمعنى بقاء مطلوبية الإزالة بعد الدّخول في الصّلاة دون العصيان المتحقق بالدّخول وأمّا الجواب الأوّل فهو بعيد عن الصّواب لأنّ المقام ليس من تزاحم الواجبين بل من تعارض دليليهما على التّحقيق إذ المزاحمة لا تكون إلَّا بعد القطع بعدم الفرق بين المتزاحمين في الواقع عند اللَّه لأنّه مناط الحكم بالتخيير الواقعي العقلي كتزاحم الغريقين أو الدّينين أو الصّلاتين ونحوها ممّا علم بتساويهما عند اللَّه في المطلوبيّة مع عدم إمكان امتثالهما معا فعند ذلك يحكم العقل بالتخيير مع عدم المرجح والأمر في المقام ليس كذلك لاحتمال عدم وجوب الإزالة واقعا في حال الاشتغال بالصّلاة أو بالعكس إلَّا أنّ مقتضى عموم دليل كلّ منهما ذلك فلا جرم يجري عليهما حكم تعارض الدّليلين وأمّا الجواب الثّاني فهو أجود من الأول والثالث إلَّا أنّه معارض بالمثل إذ كما يمكن أن يقال إنّ عموم دليل الإزالة لا يشمل حال الاشتغال بالصّلاة فكذلك يمكن أن يقال إنّ عموم دليل حرمة الإبطال لا يشمل ما لو كان في وقت الإزالة فالتحقيق في المسألة إجراء حكم تعارض الدّليلين وحيث لا ترجيح يحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل وهو التخيير العقلي الظاهري لدوران الأمر بين محذورين فهو من حيث التخيير حكمه حكم تزاحم الواجبين كما قال المجيب الأوّل ويفارقه من حيث الظاهري والواقعي إذ التخيير في التزاحم تخيير عقلي واقعي وفي التعارض ظاهريّ ويتفاوتان في بعض الأحكام مثل الترجيح بالظَّن أو بالقدر المتيقن على التفصيل المحرّر في محلَّه وقد مضت الإشارة إلى شطر منها في بعض المباحث الماضية وممّا ذكرنا اتضح حكم الصّلاة في دار الغير إذا أمر بالخروج في الأثناء بعد الإذن في الابتداء فإنّ ذلك أيضا ليس من باب التزاحم بل من تعارض الدليلين دليل حرمة الغصب ودليل وجوب إتمام الصّلاة وكلاهما فوريّان وحيث إن النسبة بينهما عموم من وجه يحكم بالتّساقط ويثبت بالتخيير لكن قد يقال برجحان الإتمام للاستصحاب بعد التساقط كما عن الوحيد البهبهاني ولقوله الصّلاة على ما افتتحت عليه ويضعّف الأول بأنّ الشك هنا شكّ في المقتضي للتغير الفاحش بين الحالتين حال الشروع المقرون بالإذن وحال الأمر بالخروج والثاني بأن تكون الصّلاة على ما افتتحت عليه إنّما هو بعد بقاء الشرائط بحالها وليس معناه وجوب المضي في الصّلاة بعد الدخول فيها على الوجه الصّحيح ولو فقد بعض الشرائط كالطَّهارة مثلا كيف ولا يقول به متفقّه فضلا عن الفقيه بل معناه عدم تأثير نية خلاف ما نوى أولا سهوا أو نسيانا أو اختيارا بقصد العدول أو نحو ذلك ممّا لا ربط له بالمقام وأضعف من ذلك الاستدلال لوجوب الإتمام بأن الإذن في الشيء إذن في لوازمه فإذا أذن المالك في الكون المطلق أو في خصوص الصّلاة فقد التزم على نفسه عدم الرجوع عن الإذن ولهذا قالوا بلزوم عارية الأرض لدفن الميت أو للرهن فلا سلطنة له على الرجوع بعد الإذن في الشيء الَّذي لازمه الشرعي الإتمام ووجه الضعف أنّ الإذن في الملزوم وإن كان إذنا في اللَّازم لكن الكلام في لزوم هذا الإذن وإن هو إلَّا كالوعد الذي لا يجب الوفاء به ولو أذن في اللَّازم صريحا بأن قال صلّ و