< فهرس الموضوعات > الكلام في نقل الأقوال في المسألة وذكر أدلة القائلين بالوجوب < / فهرس الموضوعات > < فهرس الموضوعات > الدليل الأول < / فهرس الموضوعات > له كلَّيا أو فردا منه والظَّاهر أن المقام من موارد الجريان كما يظهر بالتأمّل ومن الإحاطة بما شرحنا في تأسيس جريان الأصل تعرف النظر في ما ذكره بعض المحققين وغيره من كون مقتضى الأصل هو قول النافي فإنّه فاسد في جميع الوجوه المقررة لمحلّ النزاع إلَّا الوجه الأخير تنبيهان الأوّل أن كلَّا من المثبت والنافي في المسألة محتاج إلى الدليل لأن عدم احتياج النافي إلى الدليل إنّما هو لموافقة قوله للأصل فحيث لا أصل في المسألة كما عرفت كان عليه أيضا إقامة الدليل على النفي وكذا قولهم عدم الدليل على الوجود دليل العدم إنّما يقال إذا كان العدم مطابقا للأصل وقد عرفت أنّه لا أصل في المسألة إلا ببعض الوجوه الخارجة عن محلّ النزاع وأيضا المسألة علمية فلا بدّ لكلّ من يدعي شيئا إقامة الدليل القاطع المفيد فكيف يكون القائل بعدم وجوب المقدمة واقعا قطعا مستغنيا عن الدّليل الثّاني أن الفاضل التوني قدّس سره بعد نقل أدلَّة الوجوب وردها قال وهذه المسألة بأدلَّتها من الطرفين مذكورة في كتب الأصول كالمعالم وغيره والمتعرّض مستظهر من الجانبين إلا أن المتتبع بعد الاطَّلاع على المدح والذّم الواردين في الأخبار والآيات القرآنية على فعل مقدّمة الواجب وتركها يحصل له ظن قوي بوجوب مقدّمة الواجب مطلقا انتهى وهذا الكلام بمعزل عن الصّواب والتحقيق أمّا أوّلا فلأن التعبّد بالظَّن إنّما يتعقل إذا ترتب عليه ثمرة عملية لما عرفت في تضاعيف المسألة من أن ما لا يفيد علما ولا عملا لا يعقل كونه معتبرا وحجة مع أن هذا الظن المستفاد من أدلَّة المسألة ليس من الظنون المعتبرة عند غيره فضلا من أن يكون معتبرا عند من لا يعوّل في الأحكام على المداليل الالتزامية القطعية ويقتصر على متون الأخبار ويقرب مشربه من مشرب الأخباريّين وأمّا ثانيا فلأنّ الأدلَّة السّمعية ولو كانت قطعية لا تنهض حجة في إثبات الملازمة العقلية إذ غاية ما يحصل منها ثبوت وجوب المقدّمات الشرعية وهذا لا يجدي فيما بصدده القوم من إثبات الملازمة العقلية أو العرفية بين وجوب شيء ووجوب مقدّماته فلو ورد من الشرع ما يدلّ على وجوبها وجب حمله على الإرشاد الكاشف عن كونه مقدمة دون الوجوب الشرعي المتنازع فيه وإن صعب على القوم وكبر عليهم هذه المقالة حيث إنّهم جازمون بأن قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم مثلا يدلّ على الوجوب الشرعي المقدّمي إلا أنّ هذا خلاف الإنصاف بل خلاف التحقيق لأن الوجوب الغيري لا فائدة في بيانه سوى ما ذكر من الكشف عن كونه مقدّمة وهذه الفائدة تعين كونه إرشاديا لا شرعيّا ومن هنا يظهر أن التمسّك بالأوامر الشرعية المتعلَّقة بالمقدّمات في أبواب الفقه على إثبات الوجوب المتنازع فيه كلام ناشئ عن عدم إمعان النظر في هذا النزاع والتشاجر في المسألة ثمّ بعد التنزل وتسليم كونها دالَّة على الوجوب الشرعي الغيري لا ينفع أيضا إذ لا تثبت به الملازمة العقليّة ولا العرفية ولا اللَّازم وهو وجوب التبعي المعلولي المقدّمي لأنّ تصريح الآمر بوجوب المقدمة من قبله لا إرشادا لا يكون دليلا على ما ذكر بل دليلا على أمر آخر وهو الوجوب النفسي التّهيّئي الَّذي قد يطلق عليه الوجوب الغيري أو الوجوب الأصلي المستقلّ وأين هذا من الوجوب المقدّمي المعلولي الناشئ من الملازمة الواقعية فليتدبّر في المقام فإنّه من مزال الأقدام وإذا تمهّد لك هذه فلنشرع الآن في المقصود فنقول اختلفوا في وجوب المقدّمة على أقوال الأوّل وهو المشهور المدّعى عليه الإجماع وجوبها مطلقا الثّاني عدمه على ما ذكره صاحب المناهج وهو ظاهر المعالم وصريح الإشارات وغيره الثّالث التفصيل بين السّبب والشرط بوجوب الأول دون الثّاني نسب إلى علم الهدى وإن كانت النّسبة في غير محلَّها على ما صرّح به صاحب المعالم ويستفاد من كلامه المحكى من الذريعة والشّافي الرابع التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره فيجب الأول دون الثّاني ذهب إليه ابن الحاجب وإمام الحرمين على ما عزي إليه أمّا القول الأوّل فقد احتج عليه بوجوه الأوّل ما ادّعاه جمع من الأعيان كالمحقق الدّواني والمحقق الطَّوسي ويظهر من كلام سيّد الحكماء والمتألهين المير محمّد باقر الدّاماد في بعض تحقيقاته وتلقاه بالقبول مشايخنا العظام وأساتيذنا الكرام وسائر المتأخّرين الفخام وهو أقوى الأدلَّة الَّتي استدلّ بها في المقام وأسدّها وهو قضاء ضرورة الوجدان بذلك فإن من راجع إلى وجدانه حال إرادته بشيء وأنصف من نفسه ولم يخالطه بالشكوك والشبهات وجد نفسه مريدا لما يتوقف عليه ذلك الشيء وإن لم يكن ملتفتا إليه وأن منشأه ليس إلَّا إرادة ذلك الشيء بحيث لو بني على عدم إرادته كان ذلك مجرّد فرض لا حقيقة له ويساعده أيضا الاعتبار الصّحيح ويشهد على ذلك أنّه لو سئل الآمر عن حاله لما أجاب إلا بالإرادة التبعية الناشئة عن إرادة المطلوب ودعوى أنّ إرادة الشيء يستدعي الشعور به والالتفات إليه لوضوح استحالة تعلَّق الإرادة بالفعل الغير المشعور به لأنّها منبعثة من تصور الشيء وتصوّر ما فيه من المصلحة والشّوق إليه فمع كونه غافلا عنه غير شاعر به امتنع أن يكون مريدا له وحينئذ فلا يتجه دعوى تعلَّق الإرادة بها على نحو الإطلاق بل لا بدّ من التفصيل بين حال الغفلة وحال الالتفات مدفوعة أوّلا بأنّ الإرادة المتعلَّقة بالفعل تارة تكون على وجه التفصيل