النظريات العامة موضوعة في صيغ أكثر صرامة وبدقة أكبر ، كانت أكثر غموضا وتطلبت في مجال التطبيق التفاتا أكبر وانتباها أكمل . ولا نستطيع الآن - ونحن في الحلقة الأولى - أن نقدم النماذج من العلمين على هذا التفاعل ، لان الطالب لا يملك حتى الآن خبرة واسعة ببحوث علم الأصول ، ولكن يكفينا أن يعرف الطالب الآن أن التفاعل بين البحث الفقهي والبحث الأصولي هو مصداق لخط عريض يعبر عن التفاعل المتبادل في كثير من الأحايين بين بحوث النظرية وبحوث تطبيقها . أو ليس ممارسة العالم الطبيب لتطبيق النظريات على مرضاه في نطاق واسع يوحي إليه بمشاكل جديدة باستمرار ، فيتولى بحث النظريات العامة العلمية في الطب حل تلك المشاكل ، ويتعمق تدريجا وينعكس بالتالي على التطبيق ؟ إذ كلما ازداد الرصيد النظري للطبيب أصبح التطبيق بالنسبة إليه عملا واسعا . وكلنا نعلم أن طبيب الأمس كان يكتفي في مجال التطبيق بإحصاء نبض المريض فينتهي عمله في لحظات ، بينما يظل طبيب اليوم يدرس حالة المريض في عملية معقدة واسعة النطاق . ونفس ظاهرة التفاعل المتبادل بين الفكر الفقهي والفكر الأصولي الذي يقوم بدور المنطق بالنسبة إلى الفقه ، نجدها بين الفكر العلمي إطلاقا والفكر المنطقي العامي الذي يدرس النظام الأساسي للتفكير البشري ، إذ كلما اتسع نطاق المعرفة البشرية وتنوعت مجالاتها تجددت مشاكل في مناهج الاستدلال والنظام العام للفكر ، فيتولى المنطق تذليل تلك المشاكل وتطوير نظرياته وتكميلها بالشكل الذي يحتفظ لنفسه بقوة التوجيه والتنظيم العليا للفكر البشري . وعلى أي حال فإن فكرة التفاعل هذه سواء كانت بين علم الفقه ومنطقه الخاص المتمثل في الأصول ، أو بين العلوم كلها ومنطقها العام ، أو بين بحث أي نظرية وبحث تطبيقها ، تحتاج إلى توضيح وشرح أوسع . ولا نستهدف