صاحب السرائر إلى صاحب المعالم : وكانت بداية خروج الفكر العلمي عن دور التوقف النسبي على يد الفقيه المبدع محمد بن أحمد بن إدريس المتوفى سنة ( 598 ) ه ، إذ بث في الفكر العلمي روحا جديدة ، وكان كتابه الفقهي " السرائر " إيذانا ببلوغ الفكر العلمي في مدرسة الشيخ إلى مستوى التفاعل مع أفكار الشيخ ونقدها وتمحيصها . وبدراسة كتاب السرائر ومقارنته بالمبسوط يمكننا أن ننتهي إلى النقاط التالية : 1 - إن كتاب السرائر يبرز العناصر الأصولية في البحث الفقهي وعلاقتها به بصورة أوسع مما يقوم به كتاب المبسوط بهذا الصدد ، فعلى سبيل المثال نذكر أن ابن إدريس أبرز في استنباطه لاحكام المياه الثلاث قواعد أصولية وربط بحثه الفقهي بها ، بينما لا نجد شيئا منها في أحكام المياه من كتاب المبسوط وإن كانت بصيغتها النظرية العامة موجودة في كتب الأصول قبل ابن إدريس . 2 - إن الاستدلال الفقهي لدى ابن إدريس أوسع منه في كتاب المبسوط وهو يشتمل في النقاط التي يختلف فيها مع الشيخ على توسع في الاحتجاج وتجميع الشواهد ، حتى أن المسألة التي لا يزيد بحثها في المبسوط على سطر واحد قد تبلغ في السرائر صفحة مثلا ، ومن هذا القبيل مسألة طهارة الماء المتنجس إذا تمم بماء متنجس أيضا فقد حكم الشيخ في المبسوط ببقاء الماء على النجاسة ولم يزد على جملة واحدة في توضيح وجهة نظره ، وأما ابن إدريس فقد اختار طهارة الماء في هذه الحالة ، وتوسع في بحث المسألة ثم ختمه قائلا : " ولنا في هذه المسألة منفردة نحو من عشر ورقات قد بلغنا فيها أقصى الغايات وحججنا القول فيها والأسئلة والأدلة والشواهد من