الإنكار أمراً آخر غير مرتبط به بحسب الدلالة والظهور ؛ فإذا كان الإنكار بمنزلة القرينة المتصلة أو المنفصلة التي تكون أصالة الظهور فيها حاكمة على أصالة الظهور في طرف ذي القرينة ، فهذا لا يكون إنكاراً بعد إقرار ، فإذا قال لزيد : علىّ عشرة إلَّا درهماً ، فليس هناك الَّا ظهور واحد ، وهو الظهور في الإقرار بتسعة ، وليس استثناء الدرهم بمنزلة الإنكار بعد الإقرار بعشرة ، بل لم يتحقق الإقرار من أوّل الأمر إلَّا بالإضافة إلى التسعة ، ولم يتحقق للكلام ظهور الَّا بالنسبة إليها ، فهكذا الأمثلة الأخرى ، فمحلّ البحث هو ما إذا كان لكل من الإقرار والإنكار ظهور مستقل غير مرتبط بالآخر ، غاية الأمر المضادة بينهما من جهة الواقع ، ففي هذه الصورة لا مجال لسماع الإنكار ، بعد انه لم يقم دليل عليه ، وأمّا إذا كان هناك ظهور واحد في الإقرار على النفس ، فلا إشكال في لزوم الأخذ به كما في المثال وشبهه . نعم هنا شبهة وهي : انه لو فرض ان يكون للإنكار حكومة : على الإقرار وكان بمنزلة الشرح والتفسير والتوضيح له ، كما في الدليل الحاكم بالإضافة إلى الدليل المحكوم ، مثل قوله ( ع ) : لا شك لكثير الشك [1] ، الذي هو ناظر إلى أدلة الشكوك الدالة على لزوم البناء على الأكثر ، والإتيان بصلاة الاحتياط وتقييد لها بغير كثير الشك ، فهل يقبل هذا التفسير وهذه الحكومة مثلًا إذا قال : ان داري هذه لزيد ، ثم قال بكلام منفصل : أردت من الدّار نصفها ، فنصفها فقط لزيد ، فهل يقبل منه هذا التفسير الذي هو بمنزلة الإنكار لما أقرّ به من كون تمام الدار لزيد ، على ما هو مقتضى ظاهر الإقرار أم لا يقبل ؟
[1] لم نعثر عليه في كتب الحديث ويمكن كونه قاعدة مأخوذة من سياق الروايات .