توضيح ذلك : إنّ حكم العامّي - بناءً على الاختصاص - قبل جواز التقليد غير حكم المجتهد « فحكم المجتهد مثلاً هو البراءة للفحص وانحلال العلم الإجمالي ، بينما حكم العامّي هو الاحتياط ؛ لعدم الفحص وعدم انحلال العلم الإجمالي . فكان على المجتهد أن يفتي العامّي بالاحتياط ، وإنّما أفتاه بالبراءة ؛ لغفلته عن هذه النكتة واعتقاده بوحدة الحكم بينه وبين العامّي قبل جواز التقليد . فالواقع أنّ المجتهد فهم من دليل التقليد أنّ الشارع أمضى وحدة الحكم الظاهري الثابت قبل جواز التقليد واشتراكه بين المجتهد والعامّي . وعندئذ نقول : إنّه كلّما تكلّم المتكلِّم بكلام يتخيّل الناس منه شيئاً لا لقصور في العبارة ، بل لقصور في فهمهم ، يكون مقتضى الإطلاق المقامي إمضاء ذلك الشيء ، فنستنتج من ذلك كون الأحكام مشتركة بين المجتهد والعامّي بغضّ النظر عن التقليد » [1] . حاصل الجهة الأولى من البحث والحاصل : فإن تمّ هذا البيان الثاني لتخريج عملية الإفتاء والاستفتاء فهو ، وإلاّ فالصحيح هو المصير إلى ما ذكرنا من أنّ الأحكام الظاهريّة ليست مختصّة بالعالمين بها ، بل هي مشتركة بين العالم والجاهل ، كما هو الحال في الأحكام الواقعيّة ، فيكون رجوع المقلّد إلى المجتهد فيها على أساس رجوع الجاهل إلى العالم ، على مقتضى القاعدة .