المكلّفين محضاً ، بل إنّ ذلك غير معقول حتى في نفس النبيّ والإمام عليهما السلام ، وبذلك تكون حقيقة الحكم التكليفي هي أنّه حكم شرعيّ بداعي إيجاد الداعي عند المكلّف وليس وراءه مبادئ من الحبّ والبغض في نفس المولى سبحانه . ومن هنا لا مجال لحصول التضادّ بين الأحكام من جهة مبادئها وملاكاتها بل ستكون من السالبة بانتفاء الموضوع . وقد التزم قدّس سرّه بعدم انقداح الإرادة في الأحكام الشرعية ، بلحاظ أنّ الشوق نحو الفعل إنّما ينقدح فيما إذا كان في الفعل مصلحة تعود على المشتاق نفسه ، والأمر ليس كذلك في موارد الأحكام ، إذ المصلحة في الفعل تعود على المكلَّف - بالفتح - لا المكلِّف - بالكسر - وعليه ينحصر محذور تضادّ الحكمين من جهة المنتهى ، فإنّ الحرمة والوجوب يتضادّان في مقام التحريك ، إذ أحدهما يدعو إلى الفعل والآخر يزجر عنه أو يدعو إلى الترك ، وهذا المحذور مفقود في ما نحن فيه لأنّ الحكم الظاهري لمّا كان ثابتاً في مورد الجهل بالحكم الواقعي لم يكن منافياً له في مقام الامتثال ؛ لأنّ الحكم إنّما هو إنشاء ما يمكن أن يكون داعياً ، وإمكان الداعوية لا يثبت إلاّ بالوصول ، وإلاّ فالإنشاء بنفسه بدون الوصول لا يترتّب عليه إمكان الداعوية » [1] . قال قدّس سرّه : « إنّ حقيقة الحكم خصوصاً في الأحكام الشرعية عبارة عن البعث والزجر ، أعني الإنشاء بداعي جعل الداعي من دون لزوم إرادة أو كراهة بالنسبة إلى فعل المكلّف في المبدأ الأعلى ، ولا في سائر المبادئ العالية ، بل في مطلق من كان بعثه أو زجره لأجل صلاح
[1] نهاية الدراية ، مصدر سابق : ج 2 ص 42 - 43 ؛ منتقى الأصول ، مصدر سابق : ج 4 ص 157 .