علّة البحث تجدر الإشارة أوّلاً إلى معرفة السبب الكامن وراء طرح هذا البحث ، وهذا ما يستدعي الرجوع قليلاً إلى ما حرّرناه في مباحث القطع ، فقد تقدّم أنّ القطع - بعد تحليل هويّته - يتضمّن خصوصيات ثلاثاً ، الأولى : الكاشفية وإراءة الواقع ، الثانية : المحرّكية والداعوية في الأغراض الشخصية والتكوينية ، وهاتان الخصوصيتان من ذاتيات القطع . أمّا الثالثة : فهي الحجّية بالمعنى الأصولي . وقد ذكر المشهور من الأعلام في تلك المسألة بأنّ الحجّية - بمعنى المنجّزية والمعذّرية - لازم ذاتيّ للقطع ، بمعنى عدم إمكان التفكيك بينها وبين القطع ؛ الأمر الذي يقتضي حسن العقاب مع مخالفة القطع عقلاً أي « حسن العقاب مع البيان » وهذا بدوره ينتج ما اشتهر بينهم من قاعدة « قبح العقاب بلا بيان » . أي : ما لا يعقل التفكيك بين الزوجية والأربعة كونها لازماً ذاتيّاً لها ، ذلك لا يعقل التفكيك بين الحجّية وبين القطع والبيان التامّ ، وحيث إنّ القضايا العقلية نسبة الموضوع فيها إلى المحمول نسبة العلّة التامّة إلى معلولها ، سوف ينتج انتفاء المنجّزية والمعذّرية عند انتفاء القطع ؛ لكون البيان حينئذ ناقصاً ، فلا يترتّب محمول القضية العقلية الذي هو الحجّية . في ضوء ذلك حكموا بعدم الحجّية الذاتية للظنّ لعدم تحقّق القطع ، وعليه ستكون حجّيته مجعولة . ومن هذا المنطلق طُرح هذا البحث .