« 1 - إنّ الأمارة يستحيل أن تكون سبباً في خلق مصلحة في متعلّقها ، لأنّ الظنون - وهي من الحالات النفسية - لا تسري إلى الواقع الخارجي فتغيّره ؛ لاختلاف مجاليهما ، وليس الظنّ أكثر من العلم ، والعلم بالأشياء - إذا لم يصب الواقع - لا يبدّل من حقيقة ما قام عليه . فعلمي بعدم وجود زيد مثلاً لا يجعله غير موجود إذا كان في واقعه موجوداً ، وكذا الظنّ بوجود مفسدة في شيء لا يجعلها موجودة إذا كانت في واقعها غير موجودة ، وهكذا . 2 - إنّ أدلّة الطرق والأمارات لا تفيد أكثر من اعتبارها بمنزلة العلم من حيث ترتيب الآثار عليها ، والعلم لا يزيد في نظر العقلاء عن كونه كاشفاً عن متعلّقه ، وفوائد جعلها لا تتجاوز المنجّزية أو المعذّرية » [1] . ردّ الغزالي على الشبه تجدر الإشارة هنا إلى أنّ القائلين بالتصويب بالمعنى المذكور تصدّوا للجواب عن أمثال هذه الإشكالات وغيرها ، ولا نقصد هنا تفصيل هذه المسألة في المقام ، لكنّا نذكر ما قاله الغزالي دفاعاً عن التصويب المذكور ، حيث قال في ردّ شبه المخالفين : « الشبهة الأولى : قولهم هذا المذهب في نفسه محال لأنّه يؤدّي إلى الجمع بين النقيضين ، وهو أن يكون قليل النبيذ مثلاً حراماً حلالاً ، والنكاح بلا وليّ صحيحاً باطلاً ؛ إذ ليس في المسألة حكم معيّن ، وكلّ واحد من المجتهدين مصيب ، وتبجّح بعضهم بهذا الدليل حتّى قال : هذا مذهب أوّله سفسطة وآخره زندقة .
[1] الأصول العامّة للفقه المقارن ، مصدر سابق : ص 622 .