من وضعها التوسل بها لاستنباط الحكم الشرعي في علم الفقه ، وهذا ما يسمى بالفقه المذهبي أو الفقه الاستدلالي ، وتارة يكون الهدف من تمهيدها وتحريرها الدفاع بها عن المذهب المختار ونقض المذاهب الأخرى ، وهو المسمى بالفقه الخلافي . إذن فكلا النوعين من الفقه الخلافي والفقه المذهبي يعتمدان على علم الأصول ، الا أن الفقه الخلافي يعتمد على الأصول في تثبيته وتركيزه للمذهب المختار ، والفقه المذهبي يعتمد عليها في مقام استنباط الحكم الشرعي . قال ابن خلدون في مقدمته [1] : " وأجرى الخلاف بين المتمسكين والآخذين بأحكام المذاهب الأربعة مجرى الخلاف في النصوص الشرعية ، وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتج بها كل على مذهبه الذي تمسك به ، وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم ، وهذا الصنف من العلم يسمى بالخلافيات ، ولابد لصاحبه من معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الاحكام كما يحتاج إليها المجتهد ، إلا أن المجتهد يحتاج إليها للاستنباط وصاحب الخلافيات يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها المخالف بأدلته ، وهو لعمري علم جليل الفائدة " . وكما كان علم الفقه الخلافي يعتمد على علم الأصول فهو يعتمد أيضا على علم الجدل والمناظرة كما ذكر ابن خلدون ، قال [2] : " وأما الجدل وهو معرفة آداب المناظرة التي تجري بين المذاهب الفقهية وغيرهم ، فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعا وكل واحد من المتناظرين في الاستدلال والجواب يرسل
[1] مقدمة ابن خلدون : 456 - 457 . [2] مقدمة ابن خلدون : 457 .