كاخطاره بأي لفظ من لغة أخرى فلا يتغير نوع تصور المعنى لتغير طريقة اللفظ ، بينما تأثر أسلوب التفكير باللغة المستخدمة كاشف عن علاقة الاندماج والهوهوية بين اللفظ والمعنى وانعكاس المعنى في اللفظ نفسه . الشاهد الرابع : الاستعمال غير التفهيمي : ان الانسان حينما يستعمل اللفظ فتارة يكون مقصوده تفهيم الآخرين أو تفهيم نفسه وتارة يستخدمه لأهداف أخرى كهدف الدعاء أو التلقين أو الترويح النفسي ، فبالنسبة لهدف الدعاء مثلا لو تلفظ الانسان بألفاظ المناجاة مع الله تبارك وتعالى فهنا لا يقصد الداعي تفهيم المخاطب لعلمه بعلم الله بجميع ما يخلد في ذهنه قبل النطق ، وأيضا لا يقصد من طرح هذه الألفاظ اخطار معانيها في ذهنه لحضور هذه المعاني مسبقا قبل تلفظه بألفاظها ، ولو قصد اخطارها بتلك الألفاظ لكان من قبيل تحصيل الحاصل وهو محال . وإنما مقصوده بذلك اظهار العبودية والذلة أمام الحق تبارك وتعالى ، فلولا شعور الداعي بحضور المعاني الروحية في نفس حضور الألفاظ لما استخدمها في مقام الدعاء ، إذ لو كان دور اللفظ بالنسبة لمعناه دور السبب بالنسبة للمسبب لم تكن هناك حاجة للتلفظ لحضور المعاني في ذهنه ، لكن اندفاعه للتلفظ بهذه المعاني كاشف عن شعوره اليقيني باندماج صورة المعنى في صورة اللفظ ، بحيث أنه إذا أحضر اللفظ فقد أحضر المعنى خارجا بحضور اللفظ . ومعلوم أن العبودية أنما هي في المعنى لا في اللفظ ، ومقصوده الأساسي هو تحقيق تلك المعاني الروحية خارج ذهنه ، فلولا ادراكه علاقة الاندماج بين صورة اللفظ وصورة المعنى وحضور المعنى بحضور اللفظ لما قام بالتلفظ في مقام الدعاء والمناجاة . وكذلك عند الكلام مع النفس بهدف التلقين النفسي الذي ذكرت المدرسة السلوكية في علم النفس أنه من طرق العلاج للأمراض النفسية