وتمثل هذا بوضوح فيما قام به معاوية بن أبي سفيان ، فإنه لم يكتف بما قام به من أسباب الدعاية لتوطيد قواعد مملكته الأموية ( بل أحدث القصص ليعزز به أسلحة الدعاية له ، ولم يكن معروفا قبله ، فسخر الألوف لذلك ، وبثهم بين أرجاء البلاد ، ليقصوا له ، ما يشد له دولته ، وما يحفظ به سلطانه ، بله ما ينشرون من خرافات وأباطيل ، مما جلب الفساد على عقول المسلمين ، وأساء ظنون غيرهم فيما بني عليه الدين ، كما ذكر ذلك الأستاذ الامام ) [1] . وكانت هذه القصص تعتمد الإسرائيليات وأساطير الأمم الخالية وتتخللها الأحاديث المصنوعة . وكان الذي يمونها بمحتوياتها أحبار وكهان اليهود الذين أظهروا الاسلام أمثال : كعب الأحبار ووهب بن منبه . وكان لكل قاص جراية من قبل الدولة . أما كيف كان يقوم القاص بدوره ، فهذا ما أوضحه أحمد أمين في كتابه ( فجر الاسلام ) بقوله : ( يجلس القاص في المسجد ، وحوله الناس ، فيذكرهم بالله ، ويقص عليهم حكايات وأحاديث وقصصا عن الأمم الأخرى وأساطير ، ونحو ذلك . . لا يعتمد فيها على الصدق بقدر ما يعتمد على الترغيب والترهيب . قال الليث بن سعد : هما قصصان : قصص العامة وقصص الخاصة . فأما قصص العامة فهو الذي إليه النفر من الناس ، يعظهم ويذكرهم ، فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه . وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية ، ولى رجلا على القصص ، فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله - عز وجل - وحمده ومجده ، وصلى على النبي ( ص ) ، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده ، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة ) [2] .