ولأن معاوية كان يعلم أن لا أهلية شرعية له للخلافة لأنه من الطلقاء . وقد أسمعه هذا غير واحد من الصحابة والتابعين بما يجسد رأيهم فيه ، وموقفهم منه . روى المسعودي في ( مروج الذهب 3 / 40 - 41 ) قال : ( حدث منصور بن وحشي عن أبي الفياض عبد الله بن محمد الهاشمي عن الوليد بن البختري العبسي عن الحارث بن مسمار البهراني قال : حبس معاوية صعصعة بن صوصان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي مع رجال من قريش ، فدخل عليهم معاوية يوما ، فقال : نشدتكم بالله إلا ما قلتم حقا وصدقا ، أي الخلفاء رأيتموني ؟ ! . . ثم تكلم صعصعة فقال : تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ، ولم تقصر عما أردت ، وليس الأمر على ما ذكرت ، أنى يكون الخلفة من ملك الناس قهرا ، ودانهم كبرا ، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا ! . . أما والله ما لك في يوم بدر مضرب ولا مرمى ، وما كنت فيه إلا كما قال القائل : ( لا حلي ولا سيري ) . ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله ( ص ) . وإنما أنت طليق وابن طليق ، أطلقكما رسول الله ( ص ) ، فأنى تصلح الخلافة لطليق ؟ ! فقال معاوية : لولا أني أجع إلى قول أبي طالب حيث يقول : قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم ) . وفي كتاب علي إلى معاوية الذي يدعوه فيه إلى بيعته بيان آخر في أن الطلقاء لا تحل لهم الخلافة ، قال ( ع ) : ( أما بعد : فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا ( أبا بكر ) و ( عمر ) و ( عثمان ) على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك رضا ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ، ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، ويصليه جهنم وساءت مصيرا .