فالإيمان منهم جاء عن إخضاع الحادثة لتقييم الخبرة لها واختبارها في ضوء ما مروا به من التجارب . ( وهو معنى التوثيق للمعجزة الذي أشرت إليه . ( فألقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى * قال آمنتم له قبل أن أأذن لكم إنه لكبيركم الذين علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى * قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ) [1] . فقولهم : ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ) هو التوثيق للحادثة الذي وصل بها إلى درجة الإيمان اليقيني بها ، والإرتفاع بها عن مستوى الأسطورة . فالباحثون في المنهج إنما وقعوا في هذه المفارقة لانهم اعتمدوا ما انتهى إليه ( علم الإجتماع الديني ) - وهو يدرس نشأة الدين - من أن الدين هو من وضع الشعوب البدائية تحت ضغط أوضاع طبيعية أو اجتماعية معينة ، فرضتها الظروف الراهنة آنذاك من غير أن يفرق بين البدائي منه والإلهي ، فكان الخطأ المشار إليه . ويكفينا هنا أن نذكر ما سجله ( الكسيس كاريل ) في كتابه ( الإنسان ذلك المجهول ) من ملاحظة علمية دقيقة على النتيجة التي أشرت إليها وأمثالها ، قال : ( يجب أن يفهم بوضوح أن قوانين العلاقات البشرية ما زالت غير معروفة ، فإن علوم الإجتماع والإقتصاديات علوم تخمينية افتراضية ) [2] . ولا أعتقد أننا بعد أن نقرأ أمثال هذه الملاحظة يسوغ لنا أن نركن أو نتحاكم في تقييم أو تفسير أو تعليل قضايانا الدينية والفكرية إلى التخمين والإفتراض .
[1] سورة طه 70 - 73 . [2] الإنسان ذلك المجهول ، تعريب شفيق أسعد فريد ط 3 ص 40 .