نام کتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول نویسنده : الشوكاني جلد : 1 صفحه : 268
المجتهدين من الناس لا المقلدين فيالله العجب واعجب من هذا ان بعض المتأخرين ممن صنف في الأصول نسب هذا القول إلى الأكثر وجعل الحجة لهم الاجماع على عدم الانكار على المقلدين فان أراد اجماع خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فتلك دعوى باطلة فإنه لا تقليد فيهم البتة ولا عرفوا التقليد ولا سمعوا به بل كان المقصر منهم يسأل العالم عن المسألة التي تعرض له فيفتيه بالنصوص التي يعرفها من الكتاب والسنة وهذا ليس من التقليد في شيء بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة والسؤال عن الحجة الشرعية وقد عرفت في أول هذا الفصل ان التقليد انما هو العمل بالرأي لا بالرواية وليس المراد بما احتج به الموجبون للتقليد والمجوزون له من قوله سبحانه « فاسألوا أهل الذكر » الا السؤال عن حكم الله في المسألة لا عن آراء الرجال هذا على تسليم انه واردة في عموم السؤال كما زعموا وليس الأمر كذلك بل هي واردة في أمر خاص وهو السؤال عن كون أنبياء الله رجالا كما يفيده أول الآية وآخرها حيث قال « وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر » وان أراد إجماع الأئمة الأربعة فقد عرفت انهم قالوا بالمنع من التقليد ولم يزل في عصرهم من ينكر ذلك وان أراد اجماع من بعدهم فوجود المنكرين لذلك منذ ذلك الوقت إلى هذه الغاية معلوم لكل من يعرف أقوال أهل العلم وقد عرفت مما نقلناه سابقا أن المنع قول الجمهور إذا لم يكن اجماعا وان أراد اجماع المقلدين للأئمة الأربعة خاصة فقد عرفت مما قدمنا في مقصد الاجماع انه لا اعتبار بأقوال المقلدين في شيء فضلا عن أن ينعقد بهم اجماع والحاصل انه لم يأت من جوز التقليد فضلا عمن أوجبه بحجة ينبغي الاشتغال بجوابها قط ولم نؤمر برد شرائع الله سبحانه إلى آراء الرجال بل أمرنا بما قاله سبحانه « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول » أي كتاب الله وسنة رسوله وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر من يرسله من أصحابه بالحكم بكتاب الله فإن لم يجد فبسنة رسول الله فإن لم يجد فبما يظهر له من الرأي كما في حديث معاذ واما ما ذكروه من استبعاد ان يفهم المقصرون نصوص الشرع وجعلوا ذلك مسوغا للتقليد فليس الأمر كما ذكروه فههنا واسطة بين الاجتهاد والتقليد وهي سؤال الجاهل للعالم عن الشرع فيما يعرض له لا عن رأيه البحت واجتهاده المحض وعلى هذا كان عمل المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن لم يسعه ما وسع أهل هذه القرون الثلاثة الذين هم خير قرون هذه الأمة على الاطلاق فلا وسع الله عليه وقد ذم الله تعالى المقلدين في كتابه العزيز في كثير من الآيات « إنا وجدنا آباءنا على أمة » « اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله » « إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا » وأمثال هذه الآيات ومن أراد استيفاء هذا البحث على التمام فليرجع إلى الرسالة التي قدمت الإشارة إليها والى المؤلف الذي سميته أدب الطلب ومنتهى الإرب وما أحسن ما حكاه الزركشي في البحر عن المزني أنه قال يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة فإن قال نعم أبطل التقليد لان الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد وان قال بغير علم قيل له فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج والأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة فان قال انا اعلم اني أصبت وان لم اعرف الحجة لأن معلمي من كبار العلماء قيل له تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك لأنه لا يقول الا بحجة خفيت عن معلمك كما لم يقل معلمك الا بحجة خفيت عنك فان قال نعم ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه ثم كذلك حتى ينتهي إلى العالم من الصحابة فان أبى ذلك نقض قوله وقيل له كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأغزر علما وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه حذر من زلة العالم وعن ابن مسعود أنه قال لا يقلدن
268
نام کتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول نویسنده : الشوكاني جلد : 1 صفحه : 268