فاعتبروا يا أولى الأبصار ( قرآن الكريم ) بسم الله الرحمن الرحيم إياك نعبد ، وإياك نستعين ، يا من هو المعبود المشكور على الحقيقة ، إذ لا منعم سواه ، وكل نفع يجري على يد غيره فهو الذي أجراه ، وكل خير يصل إلى بعض مخلوقاته من بعض فهو الذي قدره وقضاه ، فأحمده حمدا يرضاه وأشكره شكرا يقابل نعماه ، وإن كانت غير محصاه ، امتثالا لأمره لا قياماً بحق شكره . فإن لساني وجناني وأركاني لا تقوم بشرك أقل نعمة من نعمه العظيمة ولا تؤدي بعض البعض مما يجب عليّ من شكر أياديه الجسمية .
والصلاة والسلام على رسوله المصطفى محمد المبعوث إلى الأحمر من العباد والأسود صلاة وسلاما يتجددان بتجدد الأوقات ويتكرران بتكرر الآنات ، وعلى آله الأبرار ، وصحابته الأخيار .
وبعد : فإن علم أصول الفقه لما كان هو العلم الذي يأوى إليه الأعلام ، والملجأ الذي يلجأ إليه عند تحرير المسائل وتقرير الدلائل في غالب الأحكام ، وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين كما ثراه في مباحث المباحثين وتصانيف المصنفين . فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول أذعن له المنازعون وإن كانوا من الفحول لاعتقادهم أن مسائل هذا الفن قواعد مؤسسة على الحق الحقيق بالقبول مربوطة بأدلة علمية من المعقول والمنقول تقصر عن القدح في شيء منها أيدي الفحول وان تبالغت في الطول ، وبهذه الوسيلة صار كثير من أهل العلم واقعا في الرأي رافعا له أعظم راية وهو يظن أنه لم يعمل بغير علم الرواية حملني ذلك بعد سؤال جماعة لي من أهل العلم على هذا التصنيف في هذا العلم الشريف قاصدا به ايضاح راجحه من مرجوحه ، وبيان سقيمه من صحيحه موضحا لما يصلح منه للرد إليه وما لا يصلح للتعويل عليه ليكون العالم على بصيرة في علمه يتضح له بها الصواب ولا يبقي بينه وبين درك الحق الحقيق بالقول الحجاب . فاعلم يا طالب الحق أن هذا كتاب تنشرح له صدر المصنفين ويعظم قدره بما اشتمل عليه من الفوائد الفرائد في صدور قوم مؤمنين ولا يعرف ما اشتمل عليه من المعارف الحقة إلا من كان من المحققين ولم أذكر فيه من المبادئ التي يذكرها المصنفون في هذا الفن إلا ما كان لذكره مزيد فائدة يتعلق به تعلقا تاما وينتفع بها فيه انتفاعا زائدا .
وأما المقاصد فقد كشف لك عنها الحجاب كشفا يتميز به الخطأ من الصواب بعد أن كانت مستورة عن أعين الناظرين بأكثف جلباب وان هذا لهو أعظم فائدة بتنافس فيها المتنافسون

2