فضائل أهل البيت عليهم السلام بين تحريف
المدونين وتناقض مناهج المحدثين
58
([1]) لم يذكر المؤلف سنة تأليف الكتاب إلا أنه أرخ كتابه
بسنة هدم القباب، والمعروف أنه سنة 1343هـ، حيث أقدم هؤلاء الطغاة على تنفيذ
تهديدهم في رفع (البدع) ــ كما أطلقوا عليها ــ وهي رفع المزارات المباركة لأئمة
البقيع، حيث هدموا قبابها، وهتكوا حرماتها.
ويؤرخ
العلامة المحقق السيد محسن الأمين العاملي قدس سره لهذه الفاجعة الكبرى بقوله:
«لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس، كما فعلوا في المرة الأولى،
ولما دخلوا مكة هدموا قباب عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي طالب
عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومولد فاطمة
الزهراء عليها السلام.
ولما
دخلوا جدة هدموا قبة حواء وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذلك أيضاً، وهدموا جميع
ما بمكة ونواحيها وجدة ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.
ولما
حاصروا المدينة المنورة هدموا مسجد حمزة ومزاره، لأنها خارج المدينة، وشاع أنهم
ضربوا بالرصاص على قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم أنكروا ذلك.
ولما
بلغ ذلك مسامع الدولة الإيرانية اهتمت له غاية الاهتمام، واجتمع العلماء وأكبروا
ذلك، وجاءتنا إلى دمشق برقية من خراسان من أحد أعاظم علماء المشهد المقدس
بالاستعلام عن حقيقة الحال، ثم قررت الدولة الإيرانية ــ بموافقة العلماء ــ إرسال
وفد رسمي إلى الحجاز لاستطلاع حقيقة الحال، فرفع الوفد إلى دولته تقريراً بما
شاهده في الحجاز من أعمال الوهابيين.
ولما
استولوا على المدينة المنورة خرج قاضي قضاتهم الشيخ عبد الله بن بليهد من مكة إلى
المدينة في شهر رمضان سنة 1344هـ، ووجه إلى أهل المدينة سؤالاً يسألهم فيه عن هدم
القباب والمزارات، فسكت كثير منهم خوفاً، وأجابه بعضهم بلزوم الهدم.
ولما
شاع في الأقطار الإسلامية ما فعلوه في الحجاز بقبور أئمة المسلمين ومشاهدهم أكبر
المسلمون ذلك وأعظموه، سيما ما فعلوه بقبة أئمة البقيع، وجاءت برقيات الاحتجاج على
ذلك من العراق وإيران وغيرها، وعطلت الدروس والجامعات، وأقيمت شعائر الحزن في هذه
البلدان احتجاجاً على هذا الأمر الفظيع».
فالسيد
الأمين كان شاهداً على المأساة يسجّل وقائعها ودقائقها في كتابه.
ولا
تغفل عمّا سجّله الشريف عبد الله بن حسن باشا أمير ظفار في كتابه (صدق الخبر في
خوارج القرن الثاني عشر) حيث يقول: «ثم أمر المفتي بأن يفهم الناس لكي يذهبوا
صباحاً لهدم القباب وطرح الأصنام، حتى لا يكون لهم معبود غير الله، فلما أسفر
الصباح ذهب الوهابيون وأجبروا كثيراً من الناس على مساعدتهم...».
هذه
المأساة التي وقعت في الحرمين الشريفين تشير إلى تحالف وهابي غربي من أجل طمس
المعالم الإسلامية، وقطع رابطة الأمة برموزها، فشخوص المراقد المقدسة تعيد إلى
الأذهان التأريخ المتضرج بالدماء، وما الذي وقع على صاحب هذا المرقد أو ذاك من ظلم
وتنكيل وقتل وتشريد، ومَن الذي أوقع هذه الانتهاكات، وما الذي دعاهم إلى ذلك، وما
هو دور الأمة في دفع مثل هذه المظالم على مثل هذه الرموز وأتباعهم، وما الذي
يستذكره الواقف على مثل هذه المراقد، وكيف تشحذ هذه المزارات همم الزائر وتهيج
عواطف الناس، ومن ثمّ فإن نتيجة كل هذه التداعيات النفسية لدى الزائرين هو الهياج
الثوري الذي يستتبع عنده التغير للأصلح ورفض الظلم، ونبذ كل أنواع السيطرة
اللامشروعة التي ارتكبها الظالمون، والسعي إلى منع ما يستجد من مثل هذه الحالات
والمظاهر.
وبالتأكيد،
فإن الاستعمار الغربي يسعى إلى إطفاء هذا التوهج الثوري الذي تعتمله نفوس شيعة أهل
البيت بفضل ارتباطهم بساداتهم عليهم السلام، لذا عمدوا إلى استعمال مطية التكفير
الوهابي الأهوج، لتنفيذ غاياتهم ومراميهم.
([2]) يعجبني أدب المؤلف في التعامل مع مناوئيه، إذ لم يذكر
السيد مهدي بكلمة سوء على طول الكتاب وعرضه، وأدب الحوار هذا مما امتاز به أئمة
أهل البيت عليهم السلام مع أعدائهم ومخالفيهم، ليوصلوهم إلى جادّة الحق، وهي روح
امتاز بها أهل البيت عليهم السلام ورّثوها لشيعتهم ليؤسسوا لهم مباني الحوار
المبني على إظهار الحقائق وهدي الآخر، من دون اللجوء إلى أسلوب الشتم والتكفير،
كما يفعله معهم بعضهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
([3]) لا أدري كيف سمح البعض لأنفسهم بوصف ما يقوم به الشيعة
من إقامة الشعائر الحسينية بأنه بدعة يجب التخلص منها؟! وهو بين أمرين لا ثالث
لهما.. .
إما
أن تكون هذا الشعائر بمعزل عن أسماع العلماء واطلاعهم وعدم درايتهم بما يجري، وهذه
القضية لا تتعدى عن غفلة هؤلاء الأعلام وعدم علمهم بما يجري في أوساط الأمة، وهذا
بعيد أن يتعقله أحد من هؤلاء ومن غيرهم.
وإما
اتهام هؤلاء العلماء ــ بعد فرض معرفتهم بقيام هذه الشعائر الحسينية في أوساط
الشيعة ــ بالضلال والإضلال، إذ من شأن العالم قول كلمة الحق مهما كلفته من ثمن،
وكم حدثنا التأريخ بتضحيات علمائنا من أجل تثبيت مبدأ حق، أو إظهار كلمة هدى.
وأعجب
من ذلك ما سمعت من أحدهم أن العلماء يخشون من العامة فلا يقوون على التحدث عن
النهي عن هذه الشعائر، وهذه التهمة أعظم من سابقاتها، إذ اتهام العالم بالخوف على
مكانته بين العوام حتى مع الباطل من أوجع ما سمعناه من تهمٍ وتوهين لعلمائنا زاد
الله في شرفهم وأعلى درجاتهم.
([4]) أجل، فقد جنى الشيعة من هذه الشعائر أعظم ما كان يتصوره
الآخرون، إذ هي حفظت كيانهم من التشرذم والضياع في خضمّ ما واجه الشيعة من ظلم
وحيف أدى بالكثير منهم إلى الشهادة والتشريد، وبقيت هذه الشعائر سبباً لاجتماعهم
مهما كانت أسباب التشريع والمطاردة، إلا أنها المظلة التي يستظل بها جموع الشيعة
في كل محنة من محنهم، وهم اليوم ــ بحمد الله تعالى ــ باتت هذه الشعائر مصدر قوة
لهم، لا ينفكّون عنها بأي حال.
([5]) من المؤسف أن بعضهم ــ على بساطة منه وسذاجة في طريقته
ــ تبهره شعارات هؤلاء المشككين، الذين يحاولون استغلال غفلة البعض، أو حسن
نواياهم، لينفذوا من خلال ذلك إلى تنفيذ أهدافهم ومكائدهم، وكم رأينا ممن يغتر
(بحداثة) هؤلاء واستنكارهم على الشعائر، بحجة أنهم قادرون على تشخيص الواقع،
ومعرفة كل ما يناسب وما لا يناسب الوضع المُعاش، وأمثال هذه الحداثوية الزائفة
التي تغرر بالبعض.
([6]) هو الشيخ محمد جواد الشيخ طاهر، ولد سنة 1312هـ، فتربى
على يد والده الشيخ طاهر الحچامي، وتلقى دروسه على يديه، وتخرج في الأصول والفقه
على عدد من علماء العصر وأساتذتهم، منهم الميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن
الأصفهاني والشيخ محمد حسين الأصفهاني والسيد محسن الحكيم والميرزا علي الإيرواني،
كما تخرج على يديه طائفة من الأفاضل، وله اليد الطولى في الأدب والنشر، وكانت
رسائل متبادلة بينه وبين العلامة الشيخ محمد حسين المظفر والشيخ حسن البهبهاني،
وله ديوان شعر وتعليقة على كفاية الأصول وشرح كتاب الطهارة من التبصرة، حرره عند
حضوره على أستاذه السيد محسن الحكيم قدس سره، قام بعمادة منتدى النشر في أول
تشكيله لمدة ثلاثة أعوام.
انظر:
مشهد الإمام أو مدينة النجف لمحمد علي التميمي ج3 ص128.
والكاتب
يشير إلى أن الشيخ محمد جواد الحچامي رحمه الله نشر فتاوى الأعلام في الحث على
الشعائر مع رسالة في هذا الشأن، وكأن ذلك الإنجاز يعدّ رادعاً للتشهير بهذه
الشعائر، والاكتفاء بها حسن، إلا أن ذلك لم ينفع مع تضخّم حالة الالتفاف والتهويل
التي أثارها البعض ضد هذه الشعائر المباركة.
([7]) بما ذكرناه سابقاً،
وإذا كان الأمر كذلك ــ وهو أن الشعائر كانت السبب الأساس في حفظ المذهب، بل
وقوّته ــ فلا نحتاج إلى دليل مشروعيّتها، إذ قيام المصلحة بها دليل على ضرورتها،
بل لزومها، كما هو معروف.
([8]) الجَنَف: الميل والجور، جنِفَ جَنَفاً، قال لأغلب العجلي:
غير جنافي جميل الزي، لسان العرب لابن منظور باب جنف.
وجنِف
فلان علينا ــ بالكسر ــ وأجنف في حكمه، وهو شبيه بالحيف، إلا أن الحيف من الحاكم،
والجنف عام، ولم يرتض الأزهري هذا التفريق، واستدل بقول بعضهم: يُردُ من حيف
الناحل ما يرد من جنف الموصي، والناحل إذا نحل بعض ولده دون بعضٍ فقد حاف، وليس
بحاكم، ويرد عليه أن أقول بعضهم ليس بحجة، لجهالة القائل، والظاهر أن التفريق في
محله.
([9]) الكوفة والبصرة وما يتبعهما، كالأهواز وبعض الكور
آنذاك، والكاتب ملتفت إلى ما فعله الأمويون بشيعة المصرين العراقيين، من تقتيل
وتهجير، ولم يتعرض إلى الحجاز والشام لقلّة ما فيهما من الشيعة، ولم تكن المصيبة
عظيمة آنذاك.
([10]) شأفة الرجل: أهله وماله، والشأفة: الأصل، واستأصل الله
شأفته: أي أصله، وفي حديث علي عليه السلام قال له أصحابه: لقد استأصلنا شأفتهم،
يعني الخوارج، لسان العرب لابن منظور باب شأف.
([11]) أراد الكاتب أن يعيد للأذهان ما فعله الأمويون من قلب
الحقائق ومحاولة التزوير التي ارتكبها معاوية وفريقه المتخصص في مجال الوضع
والأخلاق.
ولعلّ
الإمام السندي الذي شرح سنن ابن ماجة يشير إلى سبب انتشار مناقب الإمام علي عليه
السلام، وما واجهته هذه المناقب من حرب ومؤامرات نحاول من خلالها قراءة الواقع
الذي عاشته مناقب الإمام علي عليه السلام في خضمّ الصراعات السياسية المتهورة.
يقول
الإمام السندي: «قيل وهذا سبب ما روي من مناقبه (رضي الله تعالى عنه)، كما في
الإصابة للحافظ ابن حجر، قال: ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من
الصحابة ما نقل لعليّ، وقال غيره: وسبب تعرّض بني أمية له فكان كل من كان عنده علم
شيء من مناقبه من الصحابة بثّه، فكلّما أرادوا إخماد شرفه حدّث الصحابة بمناقبه،
فلا يزداد إلا انتشاراً.
وتتبّع
النسائي ما خص به من دون الصحابة، فجمع من ذلك أشياء كثيرة أسانيدها أكثرها جياد».
شرح سنن ابن ماجة للإمام السندي، باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ج1 ص58، دار الجيل.
وقال
أبو جعفر الإسكافي: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي
هذه الآية أنها نزلت في علي بن أبي طالب:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ
أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم
يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقيل وروى ذلك. انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
وكلامه في الأحاديث الموضوعة في ذم علي عليه السلام ج4 ص63 ــ 73.
كما
روى أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع أقواماً من الصحابة وقوماً من التابعين على
رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على
ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما ارتضاه، ومنهم أبو هريرة وعمرو بن العاص
والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير. شرح نهج البلاغة ج4 ص63.
هذه
هي صور الاضطهاد الفكري والمصادرات الثقافية التي انتهجتها السلطات الأموية طيلة
ثلاثة عقود، وقد حددها المؤلف بنيف وثلاثين سنة.
([12]) ومقولة سيّد الشهداء عليه السلام ما زالت ترنّ في أسماع
الدهر، تؤكد على أنه عليه السلام ما خرج إلا لإصلاح ما أفسده الأمويون وأسلافهم،
وتآمرهم على الإسلام، وكيدهم لشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، مما
دعا سيد الشهداء عليه السلام أن يعلن في مقولته المشهورة: «... وإني لم أخرج أشراً
ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن
آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب». بحار
الأنوار ج44 ص329.
([13]) نعم كانت ردّة فعل الأمة من هذه الفاجعة العظمى هي
كراهية الناس لبني أمية بشكل لم يتوقع الأمويون ردّ الفعل هذا جرّاء الصدمة التي
فاجأت الأمة بشهادة الإمام الحسين عليه السلام، وكان سقوط الدولة الأموية منذ سقوط
أول قطرة دم في كربلاء، بالرغم من تقاعس الأمة عن نصرة الإمام الشهيد عليه السلام،
إلا أن ذلك لم يمنع الاستياء العام، وانكشاف حقيقة الأمويين الذين تستّروا بلباس
الدين، ولولا هذه الواقعة الحسينية لبقيت سياسات الأمويين وأتباعهم تحكم الأمة إلى
يوم الدين، وتأخذ بخناق الناس، والويل لمن اعترض عليهم بشطر كلمة، إذ لم يستطع أحد
كشف دجل آل أبي سفيان وكذبهم، لولا ثورة الإمام الشهيد الذي أسقط كل الأقنعة، وإلى
يومنا هذا.
([14]) وبالفعل كانت ثورة الحسين عليه السلام إعادة لحسابات
الأمة التي لم تنصف الإمام علي عليه السلام في صفين، ولم تنتصر للإمام الحسن عليه
السلام يوم هادن معاوية، إلا بعد أن هتكت ثورة الشهيد حجب الزيف والدجل الأموي،
الذي كانت تتستّر به هذه العصابة الظالمة، وريثة التآمر والنكوص عن الحق وأهله،
فقد ظهر الإنكار الشديد على الأعمال الشائنة للأمويين، ولم يتردد أهل الكوفة في
الإنكار على يزيد، «فقد استقبل الكوفيون العائلة الكريمة ــ التي عوملت معاملة
الكفار في السلب والأسر والتشهير ــ بالبكاء والصراخ والنوح والتوجّع والتفجّع
والتأسف، وقد شقّت النساء جيوبهن على الإمام الحسين عليه السلام والتدمنَ». انظر:
فاجعة الطف للسيد الحكيم ص98.
وما
أظهره أهل المدينة من الإنكار الذي تُرجم إلى ثورة الحرّة، وأنكر على حادثة نكت
رأس الإمام الشهيد عليه السلام كل من زيد بن أرقم وأبي برزة الأسلمي وأنس بن مالك
وغيرهم، وإذا كان لهؤلاء وأمثالهم موقف الخذلان في واقعة الطف، لموالاتهم للنظام
الأموي، وسقوطهم في أعين الأمة لسكوتهم، إلا أن هناك ما يشير إلى امتعاضهم من هذه
الانتهاكات الأموية بعد مقتل الحسين عليه السلام، وتجرؤ السلطة بالإقدام عليه.
([15]) العقد الفريد ج5 ص134 دار الفكر بيروت.
([16]) كما في اجتماع أهل الكوفة عند رؤوس الشيعة، سليمان بن
صرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمسيّب بن نجبة
الفزاري، وكان من شيعة علي وخيارهم، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وعبد الله بن
وال التيمي ورفاعة بن شداد البجلي، واتّفقوا على الأخذ بثأر الإمام سيد الشهداء عليه
السلام، وبعد أن تلاوموا بينهم على الخذلان وعدم النصرة، فأثر ذلك عن ثورة المختار
التي عاقب فيها قتلة الحسين عليه السلام وطاردهم في كل مكان. انظر: تأريخ الطبري
ج4 ص428 أحداث سنة 65 للهجرة.
([17]) حيث أخرج أهل المدينة
عامل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان من المدينة، وأظهروا خلع يزيد
وحصارهم من كان بها من بني أمية، وبايعوا عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وكانت
ثورة هدّت عروش الأمويين، وقابلها يزيد بوفعة عظيمة بقيادة مسلم بن عقبة (فأباح
المدينة ثلاثاً يقتلون الناس، ويأخذون الأموال، فافزع ذلك من كان بها من الصحابة).
تأريخ الطبري ج4 ص377.
فكان
هذه الحادثة إحدى ثمرات نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وهي ردة فعل فصمت عرى
الحكم الأموي بشكل لم تبق معه هيبة السلطان، ولا عزة الملك.
([18]) انظر أحداث سنة 66 و67 وما بعدها في دعوة عبد الله بن
الزبير لنفسه وما جرى من أحداث في تأريخ الطبري والكامل لابن الأثير وتأريخ
اليعقوبي ومروج الذهب وغيرها.
([19]) حيث استشهد في عين الوردة سليمان بن صرد الخزاعي، بعد
أن قتل من القوم مقتلة عظيمة، وأبلى وحثّ وحرّض، ورماه يزيد بن الحصين بن نمير
بسهم فقتله، واستشهد من بعده المسيب بن نجبة، ثم استشهد من أهل المدائن الذين
التحقوا بالتوابين كثير بن عمرو المدني، وطعن سعد بن أبي سعد الحنفي وعبد الله بن
الخطل الطائي، وقتل عبد الله بن سعد بن نفيل، وهؤلاء قادة التوابين وفرسانهم.
ويروى بعضهم أن وقعة عين الوردة كانت سنة ست وستين، والأشهر أنها سنة سبع وستين.
راجع مروج الذهب للمسعودي ج3 ص108.
([20]) وقعة نهر الخازر جاءت بعد عين الوردة وفي السنة نفسها،
قتل فيها عبيد الله بن مرجانة على يد إبراهيم بن مالك الأشتر، على اختلاف في السنة
التي حدثت فيها، فمنهم من أرخها سنة ست وستين، وآخرون على سنة سبع وستين، وكانت من
أعظم الوقعات التي مزقت جيش الأمويين، وقطعت أوصال قواهم الطائشة.
([21]) ثورة زيد بن علي في أيام هشام بن عبد الملك سنة إحدى
وعشرين ومائة، وقيل: في سنة اثنين وعشرين ومائة، وكانت وقعته في الكوفة، فلما
استشهد صلب عرياناً، ثم أحرقه بعد الصلب يوسف بن عمرو والي هشام على الكوفة.
([22]) الظاهر أنه يحيى بن زيد، وهو صاحب الثورة بعد ابيه، بعد
معركة كبرى أوقع بالأمويين من القتلى العدد الكبير، وصلب على باب الجوزجان، ثم بعث
برأسه إلى نصر بن سيار، ثم بعثه إلى الوليد بن يزيد.
ولم
أجد لعيسى بن زيد ذكراً في الثورات التي تلت ثورة أبيه، فقد عاش عيسى بعد ثورة
أبيه متخفياً عن عيون السلطة.
نعم
شارك عيسى بن زيد في ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن، وكان بطلاً شجاعاً معروفاً
بشدة البأس، وخرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في قيام أبي جعفر المنصور، وخرج
مع أخيه الحسين بن زيد الملقب (ذو الدمعة).
وكان الظاهر على عيسى تقواه وتمسكه بمذهب آبائه، حيث
يروي أبو الفرج الأصفهاني بسبب مفارقته عيسى بن زيد لإبراهيم بن الحسن، قال بسند
مرفوع: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة وكبّر عليها أربعاً، فقال له عيسى بن زيد:
لِمَ نقصت واحدة، وقد عرفت تكبير أهل بيتك؟ فقال: هذا أجمع لهم، ونحن إلى اجتماعهم
محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارق عيسى واعتزل، وبلغ ذلك أبا
جعفر فأرسل إلى عيسى يبذل له ما سأل على أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يتمّ
الأمر بينهما إلى أن قتل إبراهيم.
ثم
أضاف أبو الفرج الأصفهاني: وكان عيسى أفضل من بقي من أهله، ديناً وعلماً وورعاً
وزهداً وتقشفاً، وأشدهم بصيرة في أمره ومذهبه، مع علم كثير من رواية للحديث وطلب
له، وقد روى عن أبيه وجعفر بن محمد وأخيه عبد الله بن محمد وسفيان بن سعيد الثوري.
مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص407.
([23]) نافخ ضرمه: مثل يضرب للدلالة على خلوّ الديار من أهلها،
بحيث لم يبق منهم أحد يشعل ناراً فينفخ فيها، وهي كناية عن اجتثاثهم عن جديب
الأرض.
([24]) أعرست الدنيا أي زهت وأظهرت زينتها، كما تظهر العروس
لزوجها، وكما أن العروس تجاري زوجها فتخضع له، فكذلك خضعت الدنيا لبني العباس، وهي
دلالة على زهو العباسيين بملكهم.
وربما
يستعمل بمعنى دهش، كما عند ابن منظور، فيكون المعنى: أن الدنيا اندهشت بملك بني
العباس لعظمته. والأول أوفق بالمقام.
([25]) وقد شددوا (صلوات الله عليهم) على التقية بما لا مجال
فيه للتردد والتأويل، حى جعلوا الدين مرهوناً بالتقية، فقد روى الكليني بسنده عن
أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال: يا أبا عمر، إن تسعة أعشار
الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح
على الخفين». الكافي ج2 ص246، باب التقية حديث2.
وعن
أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: التقية من دين الله. قلت: من دين
الله؟ قال: إي والله من دين الله، ولقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون)،
والله ما كانوا سرقوا شيئاً، ولقد قال إبراهيم: (إني سقيم) والله ما كان سقيماً».
الكافي ج2 ص246، باب التقية حديث3.
وهذا التشدد في الحث على التقية
جاء على خلفية ما عاناه الشيعة من مطاردة السلطات وتتبّع آثارهم، والعمل على
القضاء عليهم بشتى الطرائق وأنواع الوسائل، إلا أن حكمة أهل البيت عليهم السلام
وألطافهم حفظت شيعتهم من هجمات أعدائهم، وتربصهم لهم في كل حين، حتى أنك لتجد شيعة
أهل البيت عليه السلام يملؤون أقطار المعمورة بفضل حكمة التقية التي أبقتهم بالرغم
من تآمر أهل الدنيا عليهم.
ولابد
من التنويه إلى أن أعداءهم قد عرفوا سبب حفظهم وتحصنهم بالتقية، فلم يستطيعوا
القضاء عليهم والوصول إليهم، فأخذوا بالتشهير بهم، والقول بأن تقيّتهم هذه نفاق،
علّهم يجدون سبباً في القضاء عليهم بتركهم التقية؛ لتكون لأعدائهم الحجة في
ملاحقتهم ومطاردتهم في كل الأنحاء.
([26]) تتمة الحديث: «ثم قال: يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده
فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر». قرب
الإسناد ص26.
([27]) الحديث هكذا: «من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان
معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي
العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب». أمالي
الصدوق ص131.
([29]) وهذا ما يفسر لنا تكالب السلطات الظالمة على منع هذه
الشعائر، لارتباط الأمة بأهل البيت عليهم السلام والكشف عن مظلوميتهم، لذا سعت
جميع دوائر السلطتين الأموية والعباسية والمرتبطة بهما إلى إحباط محاولات التحدي
الناجمة عن ارتباط الأمة بأئمتها، وما يعمّها من الاستياء العام لتاريخ دموي جرى
على أهل البيت وأتباعهم، على أن هذا الخط المظلوم حجّر عليه إعلامياً وكتمت جميع
قنواته في التذكير بما جرى عليهم من هذه السلطات الظالمة، فكانت هذه الشعائر هي
الإعلام الحي لواقعة دموية جرت هنا أو هناك، لتذكر الأمة بمظلومية أهل البيت،
ومظلوميتها كذلك.
فالشعائر
هي القنبلة الموقوتة بوجه السلطات الظالمة في كل زمان ومكان، وغدت هذه الشعائر
كذلك المنبر الإعلامي الحر الذي يعبّر عن جميع الانتهاكات المرتكبة في حق أتباع
أهل البيت عليهم السلام، بل المحرومين في العالم.
لذا
فالشعائر عطاء من عطاءات أهل البيت عليهم السلام أغدق على شيعتهم لضمان بقائهم، بل
للحفاظ على هيبتهم وسطوتهم ضد الظالمين.
([30]) فعلاً، إن من ثمرات
هذه الشعائر هو ارتباط الشيعة فيما بينهم واجتماعهم، على الرغم من تشتتهم وقهرهم،
لذا فإنك ترى في المصداق الخارجي انطباق هذا المفهوم وغيره، إذ من المعلوم أن تشتت
الشيعة في البلدان وفي كل نحاء العالم بسبب النظام الصدامي الجائر أوجد في شعائر
أهل البيت حلقة الاتصال بين الجميع، فكانت هذه المجالس تجمع شتات العراقيين
المهاجرين، وتعمل على توحيد كلمتهم، لوحدة هدفهم، وهي خدمة الإمام الحسين عليه
السلام، فكانت هذه الشعائر سبباً في إذكاء روح المعارضة ضد النظام، بل كانت سبباً
في تنظيم هذه الجماعات المتناثرة تحت مظلة المنبر الحسيني، الذي يزيد من همة الروح
الثورية والتذكير بأصلهم، والارتباط بأرض كربلاء، مهما بعدت المسافات وطال الزمن.
([31]) حادثة هدم القبر الشريف متواترة لا يختلف عليها اثنان،
يصف السيوطي الحادث المؤلم بقوله: وفي سنة ست وثلاثين بعد المائتين أمر ــ أي:
المتوكل ــ بهدم قبر الحسين، وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس
من زيارته، وخُرّب، وبقي صحراء، وكان المتوكل معروفاً بالتعصب، فتألم المسلمون من
ذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، فمما قيل في ذلك: