بشكل منفرد، فأصبحت
القبائل المتحالفة في موضع المجابهة الدائمة للسلطات العثمانية([69]) ويرى بعض الباحثين أن هذه التحالفات «لم
تكن لتتناغم وتتجانس إلا تحت تأثير تهديد خارجي، أو عندما تتراءى في الأفق ملامح
غزوة مشتركة. وفي هذا ما يشير إلى طبيعتها السياسية ووظيفتها، فقد كانت هذه
التحالفات (تحالفات من أجل الحرب) وكانت الحرب والدفاع عن الذات سبب وجودها. وقد
لاحظ (دنيس دي ريغوار)، الذي زار المنتفك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أن
كل شيء لدى العشائر كان يقام ويعمل من أجل الحرب، وكان التنظيم الاجتماعي تنظيماً
عسكرياً بالدرجة الأولى. ومن الطبيعي جداً، في هذه الحالة، أنه كانت للبسالة
العسكرية داخل الأحلاف قيمة كبرى، وكان المقاتلون من رجال العشائر يحتلون مرتبة
مميزة»([70]).
وبالفعل
أضحت العشيرة - في تلك الفترة بالذات - بمثابة التنظيم السياسي والاجتماعي
والاقتصادي الوحيد الذي يرتبط به الأفراد، ليحميهم ويحافظ عليهم وعلى أعراضهم وأموالهم([71]).
هذا، وقد «بلغت
قوة العشائر ودورها، مستوى مهماً من التأثير والأهمية، لاسيما في عهدي الاحتلال
والانتداب البريطاني، وفي الشطر الأول من العهد الملكي، وهذا ما جعل أحد الخبراء
العراقيين في شؤون العشائر، يتوصل إلى استنتاج مهم قال فيه: إن من يستطيع السيطرة
على شيوخ العشائر، يستطيع السيطرة على العشائر ذاتها، ومن يسيطر على العشائر يحكم
العراق بسهولة.. فالقبيلة في العراق كانت تمثل خلال العهد العثماني، وحدة اجتماعية
سياسية، واقتصادية مستقلة في أغلب الولايات، ظلّ يتمتع أفراد القبيلة بموجبها، حتى
تطبيق قانون الأراضي في عهد مدحت باشا، بالمساواة في توزيع حصص الأرض.. وبهدف
تنظيم شؤونها الداخلية العامة، بعيداً عن السلطة المركزية، انفردت العشائر
العراقية (بنوع خاص) من التنظيم الإداري والقضائي والإنتاجي والاجتماعي والسياسي.
وقد ظلت المجتمعات العشائرية، إلى عهد قريب، تتمتع بشيء من النفوذ والاستقلال
القضائي والإداري، الذي يعتمد على التقاليد والأعراف التي يطلق عليها اسم
(السواني) وليس على القوانين المدنية أو الجزائية»([72]). أما مواطن انتشار القبائل فقد تحددت منذ
متصف القرن التاسع عشر على الشكلالتالي:
[70] بطاطو، حنا: العراق،
الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية،
ترجمة: عفيف الرزاز، الكتاب الأول، بيروت مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، ج1، ص94.
[71]
الطاهر، عبد الجليل: العشائر العراقية، بغداد 1972م، ج1،ص36 ومابعدها.