بلحاظ قربها من
الباري عز وجل([121])،
فإن الوفاة تتناسب ودرجة كل نفس، فبعضها يتوفاها الله تعالى بنفسهِ([122])،
ولذا فإن هذه النفس لا تدرك غير الله، وهناك أنفس يتوفاها ملك الموت، وهذه لا تدرك
الملائكة الذين هم دون ملك الموت، أما القسم الثالث فيتوفاه الملائكة المساعدون
لملك الموت([123]).
وبغض النظر عمّن يتوفى الأنفس، فإن المهم أن الذي ((يُتوفى
هو((النفس وليس البدن([124])،
فالله أقرب للنفس، من النفس ذاتها، والملائكة يأتمرون بأمره، وينفذون ما يريد.
وكذلك النفس، فهي من عالم الأمر([125])،
وليس في عالم الأمر حجاب([126])
زماني([127])
أو مكاني([128]).
[121]
حسب ترتيب الأمام أمير
المؤمنين عليه السلام ووصفه للأنفس، تعتبر النفس الإلهية أفضلها وأقربها إلى
العلو والكمال والقرب من الله، ثم النفس الناطقة، ثم النفس النباتية، وأخيرا
الحيوانية.
الحجاب: كل ما يستر
مطلوبك. وهو عند أهل الحق: انطباع الصور الكونية في القلب المانعة لقبول تجلي
الحق.
التعريفات، الجرجاني:50،
باب الحاء، الحجاب.
الحجاب: حائل يحول بين
الشيء المطلوب المقصود وبين طالبه وقاصده.
نصوص المصطلح الصوفي في
الإسلام، نظلة الجبوري: 40.
[127] الزمان عند
المتكلمين: زعموا أن الزمان أمر اعتباري موهوم. وعرفه الأشاعرة بقولهم: إنه متجدد
معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم.
وقال الرازي: إن للزمان
كالحركة معنيين: أحدهما أمر موجود في الخارج، غير منقسم، وهو مطابق للحركة،
وثانيهما أمر متوهم لا وجود له في الخارج.
والزمان عند بعض الفلاسفة
إما ماض أو مستقبل. وليس عندهم زمان حاضر، بل الحاضر هو الآن الموهوم المشترك بين
الماضي والمستقبل.
ومن معاني الزمان في
الفلسفة الحديثة أنه وسط لا نهائي غير محدود، شبيه بالمكان، تجري فيه جميع
الحوادث، فيكون لكل منها تاريخ، ويكون هو نفسه مدركاً بالعقل إدراكاً غير منقسم،
سواء كان موجوداً بنفسه كما ذهب إلى ذلك «نيوتون» و«كلارك»، أو كان موجوداً في
الذهن فقط كما ذهب إلى ذلك «ليبنيز» و«كانت».
قال «ليبنيز»: الزمان تصور
مثالي.
وقال
«كانت»: إن الزمان صورة قبلية محيطة بالأشياء الحدسية، وإن المقادير المحدودة من
الزمان ليست سوى أجزاء لزمان لا نهائي واحد. فكأن الزمان إطار محيط بالأشياء، إلا
أنه ذو بعد واحد وهو الطول.
وأكثر العلماء يرمزون إلى
الزمان بخط مستقيم غير محدود، كل نقطة من نقاطه مجانسة للأخرى.
المعجم الفلسفي، صليبا:1/
637، باب الزاي، الزمان.
[128]
قال الجرجاني: المكان عند
المتكلمين: «الفراغ المتوهم الذي يشغله الجسم، وينفذ فيه أبعاده».
التعريفات، الجرجاني :125، باب الميم، المكان.
والمكان عند الحكماء الاشراقيين هو: البعد
المجرد الموجود، وهو ألطف من الجسمانيات، وأكثف من المجردات، ينفذ فيه الجسم،
وينطبق البعد الحال فيه على ذلك البعد في أعماقه وأقطاره، فعلى هذا يكون المكان
بعداً منقسماً في جميع الجهات، مساوياً للبعد الذي في الجسم، بحيث ينطبق احدهما
على الآخر، سارياً فيه بكليته.
والمكان عند المحدثين: وسط مثالي غير متداخل
الأجزاء، حاو للأجسام المستقرة فيه، محيط بكل امتداد متناه. وهو متجانس الأقسام.
متشابه الخواص في جميع الجهات، متصل، وغير محدود، وله عند علماء الهندسة صفتان
أخريان:
الأولى قولهم: إن المكان ذو ثلاثة أبعاد،
ومعنى ذلك انه لا يلتقي في نقطة واحدة من المكان إلاّ ثلاثة خطوط عمودية.
والثانية قولهم: إن أجزاء المكان مطابقة
بعضها لبعض، بحيث يمكنك، ان تنشئ فيه أشكالا متشابهة على جميع المقاييس، ولا سبيل
إلى إنكار هاتين الصفتين الا في الهندسة اللااقليدسية التي تقرر إن للمكان عدداً
غير محدود من الأبعاد.
وقد فرق «هوفدينغ» بين المكان النفسي
والمكان المثالي، فقال ان المكان النفسي الذي ندركه بحواسنا مكان نسبي لا ينفصل عن
الجسم المتمكن، على حين ان المكان المثالي الذي ندركه بعقولنا مكان رياضي مجرد
ومطلق، وهو وحده متجانس ومتصل.
المعجم الفلسفي، صليبا: 2/ 412 ــ 413، باب
الميم، المكان.