لقد قال المستشرق
جيورجيو ـ مناقشاً آراء المؤرخين الإسلاميين كباحث عسكري، انطلاقاً من مفهوم النصر
والخسارة في الحرب ـ:(يذكر المؤرخون الإسلاميون أن المسلمين خسروا في معركة أحد،
وهذا الرأي يحتاج إلى مناقشة. ولو أننا تحدثنا مع متخصص حربي في مسألة خسارة
المعركة، وسألناه: ما هي علامة الخسارة الحربية؟، لأجاب إن كان جيش الخصم المنتصر
احتل البلاد، وأزال جيش العدو، عد عندئذ منتصراً، أما أن احتل دولة ما ولم يتمكن
من أبادة جيشها فلا تعتبر الدولة خاسرة. فألمانيا في الحرب العالمية احتلت روسيا
كلها، ووصلت جيوشها حتى شواطيء نهر الفولغا، ولأنها لم تستطع دحر جيش روسيا دحراً
كاملاً فإن ألمانيا لم تعتبر منتصرة تماماً. فالدولة تعتبر ظافرة بشرطين: أولهما
احتلال الدولة المغلوبة، وثانيهما إخماد حركة الجيش.
والمشركون في معركة أحد لم
يستطيعوا احتلال المدينة، كما لم يوفقوا إلى إفناء جيش محمد، فمع
أنهم شتتوا جيش المسلمين، فإن فلوله عادت فتجمعت في اليوم الثاني، فعندما عاد
محمد إلى مدينه (كما سنذكر) كان تحت سيادته جيش منظم. فعن وجهة نظر محارب متخصص -
برأيي- لم يخسر المسلمون في معركة أحد، إنما وقعوا في تجربة مفاجئة وحسب، لأن جيش
مكة لم يفن جيش المسلمين، كما لم يحتل المدينة)([575])
وفوق ذلك.. فإن الشهداء
الذين تصور المشركون أنهم بقتلهم انتصروا لم تكن دماؤهم إلا رايات لنصر عظيم ظل
يتشرف به المسلمون كل حين..
اسمعوا ـ أيها الجمع ـ إلى
هذا الانتصار الذي رسمه سعد بن الربيع بدمائه الزكية، قال زيد
[575] ك. جيورجيو: نظرة جديدة
في سيرة رسول الله، ص267.